آخر 10 مشاركات
الزحاف الجاري مجرى العلة في القصيدة (الكاتـب : - )           »          اللَّهمَّ صلِّ على سَيِّدِنا محمد (الكاتـب : - آخر مشاركة : - )           »          سجل دخولك بنطق الشهادتين (الكاتـب : - آخر مشاركة : - )           »          دمـوعٌ خـرســــــــــاء .. !!!!! (الكاتـب : - )           »          محبك في ضيق..وعفوك اوسع ... (الكاتـب : - )           »          الزحاف المركب ( المزدوج) في العروض (الكاتـب : - )           »          الزحاف المفرد في العروض (الكاتـب : - )           »          أسماء القافية باعتبار حركات ما بين ساكنيها (الكاتـب : - )           »          في السماء بلا حدود (الكاتـب : - )           »          خطاب فلسطيني (الكاتـب : - )



العودة   منتديات نبع العواطف الأدبية > نبع الأدب العربي والفكر النقدي > السرد > القصة القصيرة , الرواية,المسرحية .الحكاية

الملاحظات

الإهداءات
عواطف عبداللطيف من أهلا وسهلا : بالشاعر خالد صبر سالم على ضفاف النبع يامرحبا منوبية كامل الغضباني من من عمق القلب : سنسجّل عودة الشاعر الكبير خالد صبر سالم الى منتدانا ************فمرحبا بالغائبين العائدين الذين نفتقدهم هنا في نبع المحبّة والوفاء وتحية لشاعرنا على تلبية الدّعوة

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 10-27-2010, 05:42 PM   رقم المشاركة : 1
زائر




  النقاط :
  المستوى :
  الحالة :
اخر مواضيعي
افتراضي بنادق

بنادق

عندما كشّر عن أنيابه الصفراء أحست "سكينة" باختناق غريب، السوق كبير، وطويل، والعويل من كل حدب وصوب. حاولت تجنب نظراته فوقعت عيناها على قفص الدجاج. ديك صغير يصيح، ورجل بدين يحمل سكيناً كبيرة ويمد يده، يمسك به من رقبته الطويلة ويعرضه على رجل مهندم وقف بعيداً عن الباب خشية تلوث ثيابه. وحين خطت خطوتين إلى الأمام كان الوجه المتورم يلتصق بها فتتعثر قدماها، ويشهق رجل في الستين من عمره ثم يصرخ:‏

-الدنيا آخر زمان!‏

الدنيا آخر زمان وسعد لم يعد بعد.. بل عاد.. وها أنا ذاهبة لوداعه. وعلي اجتياز هذا السوق والأنياب الصفراء تكشر من جديد.‏

حاذرته مرة أخرى متأنية الخطوة ولكنه كان لها بالمرصاد. أبعد يدك عني أيها الخنزير! وتراجعت باعتداد.. اصطدمت بكتف شاب خجول تحول إليها قائلاً: "المعذرة يا آنسة!" وحين عاودت النظر إلى الأمام واجهها الوجه المتورم. شعرت وكأنها فتاة اغتصبت ويقول الجميع أنها زانية. وسعد يريد أن يسافر!‏

الجدار يا سعد سينهار، وأنا واقفة أنتظرك هل أعود إلى السوق إذن!؟‏

-ادخل الدكان يا ولد!‏

ثم سد الطريق من أمامها.‏

-لدي بنادق جديدة بأسعار متهاودة!!‏

سخرت عيناها منه:‏

-ما علاقتي بالبنادق الجديدة؟‏

كشر عن أنيابه الصفراء من جديد، شعرت كأن غولاً يفغر فاه بانتظارها:‏

-سعد!!‏

-ما به!؟‏

-إنه يقاتل ببندقية عتيقة مقهورة! بندقية شهدت حرب "السفربرلك".. ستقتله الأسلحة الحديثة الفتاكة!‏

لست أدري يا سعد كيف جاءتني كلماته كالسياط:‏

-ابعد عن وجهي أيها الغراب. ليست البندقية ما يقاتل... إنه سعد.. هل تفهم!؟‏

إنه سعد!؟‏

وقهقه الملعون في حنق:‏

-إنهم يريدون القضاء عليه!‏

-من هم!؟‏

-أولئك الذين أرشدوه إلى بندقية عتيقة مقهورة!!‏

والبندقية هذه يا سعد لم تكن قد صدئت حين مات أبي وهو يقاتل بها. وعندما ماتت أمي كنت في حضن أبي الذي عشق السلاح حتى قتله. لم تهزم هذه العتيقة يا سعد.‏

حفظتها في خزانتي اليتيمة أيام كانت لنا خزانة، وبين ثيابي، تقبل لحمي وتلسعه أيام لم تكن لدي خزانة.. حتى جئت بعد عشرين عاماً فحملتها.‏

والسوق أرض موحلة جرداء رغم كثرة اللحوم "سكينة" متكئة إلى جدار.. سور قد ينهار في أية لحظة. عالم متفكك مقهور وحزن ينام على صدور جدران متخلخلة. في لحظات أحسست بأن البنادق لم تَعدْ عتيقة: هي عجوز المظهر فحسب أنت يا سعد تحمل الموت على أكتافك تقدمه في وجوه الآخرين بعنف شبابك المزهو. وفي السماء كانت الغيوم تتجمع، والسوق كتل متراصة، وفجوات مفتوحة.. وأرض فسيحة لا يستطيع أحد اقتحامها. بائع اللحوم يحملق في وجه "سكينة" فتحس وكأن سكيناً اقتلعت قلبها الصغير. ماتت حياة الرتابة، والخيوط المزركشة التي حاكت بها ثوباً جميلاً لم تكن متينة فالثوب لم يكن كافياً لصد نسمة خفيفة باردة.‏

ابتعدت عنك يا سعد في لحظة مديدة ثقيلة. كابوس ليلة سوداء وأنا وحيدة في غرفة مهملة:‏

-لم أعد أطيق هذه الحياة يا سعد.‏

تقدمت نحوي بخفة. شعرت بك ترسم ابتسامة فيخونك اللون:‏

-"يا سكينة" آن أن يتحرك كل منا في عالمه هذا!‏

-والعالم مصبوغ بالدم في كل خطوة ظلام وموت وفراق. إذا ما سرت أنت خطوة إلى اليمين وسرت أنا خطوة نحو اليسار استحال علينا اللقاء من جديد.‏

ولا تزال تنتظر.. تتكئ إلى جدار قد ينهار في أية لحظة:‏

-العالم واسع مظلم يا سعد.‏

-لسوف نلتقي في حلكة ظلام العالم ذاتها! تصوري.. افتحي جهازاً صغيراً صنعته يد ماهرة، عقل ذكي وأنت تطوفين العالم كله في لحظات أو دقائق!!‏

ولحظات الانتظار أعوام طويلة جامدة، كان البرد يثقب تشابك جدار الثياب المزركشة ويفصد اللحم البكر ليلسع العظام.. ينخرها:‏

-المسافات شاسعة!‏

-ونحن نسمع جميع الأصوات يا سكينة رغم بعد المسافات!!‏

سرت في بدنها رعشة شك قديمة. البندقية يعلوها الصدأ.. الزيت لا يستطيع شيئاً، يحمل سعد البندقية رغم صدأ الليالي المثلجة معتزماً اقتحام الموت. نبال عتيقة وسهام مكسرة منخورة في الظلام يكمن موت مبهم الأشكال. يتجلى في عينيها خوف من فقدان أي شيء.‏

قالت لي جميلة يا سعد:‏

-إن فقدان سعد سيكون موتاً لحياتك كلها!‏

-أجل.. أجل.‏

وصرخت يومها:‏

-يا "سكينة" أنظل بين جدران قد تنهار في أية لحظة علينا؟ أنظل نعيش على أعصابنا!؟‏

قلت لك وأنا هادئة:‏

-أن نتوقع موتاً قد ننساه لأفضل ألف مرة من موت سريع مفاجئ!‏

ابتسمت جميلة بألم وصرخت أنت بكل كبرياء الشباب:‏

-توقع الموت يولد موتاً سيئاً. تموت ألف ميتة بطيئة. وفي هذا شر المصائب.‏

ما أصعب أن يموت إنسان يعرف أنه سيموت.. بنى للغد الكثير.. ولم يكمل البناء!‏

-موتنا أمر مؤكد!‏

قالت جميلة:‏

-إذن!؟‏

قلت يا سعد:‏

-لم لا نصنعه بأيدينا خير من أي شيء آخر.!‏

الحيرة دوار الزمن البطيء المضني. والانتظار صخرة ملساء فوق صخرة ملساء. الديك المذبوح يصيح. وشهقات العجوز ابن الستين عاماً تصل قراراتها!‏

-الدنيا آخر زمان!‏

وسعد لم يعد بعد. كان تشرين في أواخره حين مات والدها. كانت السماء تمطر وهم يسيرون في جنازته في بلاد الغربة. لم تستطع أن تتبين الدموع من قطرات المطر وهي تبلل العيون والوجوه.. وكل شيء. حسبت أولئك السائرين خلف النعش المهزوز يفرحون للمطر وهو يستر دموعهم الجافة، كانت هي الوحيدة التي ميزت ماء المطر من الدمع. عندما وصل ماء المطر إلى شفتيها أخرجت لسانها ولعقته.. كان مالحاً.. والدمع مالح.. حار.. محرق.. وماء المطر الحلو.. عذب.. ولا أريد البكاء من جديد على ميت.‏

في السوق تنتشر الأخبار بسرعة:‏

-استشهد سعد!!‏

وينتفخ الوجه المتورم وتزوره حمرة الدم الفاسد:‏

-تصوروا حمل بندقية عتيقة مقهورة واعتقد أنه يستطيع مواجهة "الميراج" بها!‏

ويصرخ الشيخ: -الدنيا آخر زمان.. كلنا سنموت! يا عيني عليك يا سعد.. ليتني أموت ميتتك!‏

ثم ينتهر الحمار الذي اقترب من كوم البطيخ الأصفر:‏

-ترك سعد الجامعة ليلتحق بالفدائيين ويقاتل!!‏

ترن ضحكات بائع البنادق الجديدة.. يحملق في وجهي.. أشعر بالخزي.. بالجريمة التي لم أرتكبها:‏

-أنت زانية..‏

-أنا مغتصبة فقط!‏

-أنت زانية.‏

-كبلوني.. هددوني بالسلاح.. عذبوني.. بصقت في وجوههم.. ضربوني.. أغمي علي.. عندما أفقت كانت الدماء على الأرض.. على الثياب.. على فخذي!‏

ويقهقهون.‏

لماذا تريدهم أن يسخروا منك ومني يا سعد؟ لماذا حملت البندقية العتيقة وعبرت الحدود؟‏

إني أبكي يا سعد.‏

والجدار قد ينهار في أية لحظة. لم يبق من الجدار إلا ما سوف ينهار.. رغبة اللقاء والوتيرة الرتيبة المقيتة تراودها. لم تحب في يوم حياة الرتابة. كانت تحيك الصوف.. ساعة من الزمن فتحس وكأنها فقدت سنة من عمرها. تخرج إلى السوق.. تعود وثقل الصخور يجثم على صدرها. وحين غامت الطائرات في السماء ظنت أن الرتابة قد ماتت هرعت إلى الشوارع.. لم تستطع اجتياز السور.. قالوا لها:‏

-انتظري هنا.. ريثما يمر الجنود!‏

وقفت تنتظر. والانتظار صخرة ملساء فوق صخرة ملساء.. وهي في الوادي.. وريح عنيفة تهجم من الغرب نحو الصخرتين تصطك أسنانها، وهي تسمع عويل الرياح. ومر جندي ومر آخر.. أسلحة منكسة، ووجوه مقشرة مسلوقة.. عيون فيها الموت يرقص، زعق أحدهم:‏

-ما هي الأخبار؟؟‏

فكتمت صرختها.. خنقتها في صدرها الضيق وودت لو يسمع الجميع كلماتها: -ألا تعرفون الأخبار!؟ لو كان الانتصار قد رفرف فوق رؤوسنا لهرعنا نحو الغرب.. لا نحو الشرق! لما رأينا الجنود في المدينة! هل جردت الصدأ عن البندقية يا سعد!؟ هل حشوت فيها رصاصات جديدة؟ إذا كانت الدبابات قد هزمت.. والطائرات قد أحرقت. والصواريخ جمدت. أفتنتصب البندقية القديمة تحملها ذراعاك؟‏

سأظل عند هذا الجدار. أترقب العودة. البلاد قريبة بعيدة، والمدينة دربها سوق كبيرة.. أخشى أن أمرّ من هناك فيلقاني الصيادون يقهقهون.‏

-ها قد عدت وحيدة! اذهبي إلى البيت اليتيم تدثري بالثياب السوداء.. وليخنق الصمت حياتك!‏

في لحظة أحست بدفء يغمر جسدها كله.. لفحات أنفاس حارة تمسد رقبتها العارية.‏

ملأت عينيها ماسورة البندقية. لم يكن يأكلها الصدأ. الدم متخثر ميت. كانت بقعة دم عتيقة على الزناد..‏

سعد لا يحاول أن يرسم صورة ابتسامة فتخونه الألوان:‏

-هل أنت راضية يا "سكينة"!؟‏

كانت تحتضنه بعنف، بفرح حقيقي.. ؟؟ رايات بيضاء.. والعجوز. ابن الستين.. ينتهر الحمار.‏

-إلى الأمام.. اذهب.. الدنيا آخر زمان قال!؟ كلام سمعناه أبّاً عن جد.. هراء..‏

واختفى الوجه المتورم، ودكان الفروج المشوي كان نظيفاً. الشاب يصافح البائع: -نريد فروجين طازجين.‏

-تكرم يا أستاذ!‏

-تكرم يا أستاذ!‏

ويصرخ سعد: أنت تبكين!؟‏

-أجل يا حبيبي.. لنذهب إلى المدينة نودعها.. فسنعود إلى الأرض. سأنقل رفات أبي هذه المرة إلى قريتنا الحرة.. لن يكون غريباً في موته كما لم يكن غريباً في حياته! انتفضت للسعة وخزت جبينها. التفتت يمنةً ويسرةً. سمعت أصوات قطرات الماء. تصفع أوراقاً صفراء على الأرض. رفعت عينيها نحو السماء الشمس يظللها السحاب الأسود وخيوط الماء متصلة. كان الجدار يمتص القطرات وهي متكئة إليه، واختلطت دموعها بقطرات المطر.‏

-سعد.. سعد.. سعد!!‏

الأشياء صماء من حولها. السوق ظالم ظالم وهي مغتصبة وليست زانية ويظل الانتظار صخرة ملساء فوق صخرة ملساء ؟؟؟‏







  رد مع اقتباس
قديم 10-29-2010, 06:43 PM   رقم المشاركة : 2
أديبة وقاصة
 
الصورة الرمزية سولاف هلال





  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :سولاف هلال غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: بنادق

أستاذي العزيز نواف أبو الهيجاء
أهلا بإطلالتك مرة أخرى
نصك جميل ومؤثر
تحياتي الخالصة
( يثبت )













التوقيع

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
  رد مع اقتباس
قديم 01-28-2011, 02:19 AM   رقم المشاركة : 3
روح النبع
 
الصورة الرمزية عواطف عبداللطيف





  النقاط : 100
  المستوى :
  الحالة :عواطف عبداللطيف غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: بنادق

نص يحمل الألم
موت قلب
أتعبه الوفاء
لحبيب ضحى من أجل الوطن

صور تدمي الروح
ننتظر جديديك

لتكون البنادق في النور

دمت بخير

تحياتي













التوقيع

  رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:27 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.9 Beta 3
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
:: توب لاين لخدمات المواقع ::