نفس الغرفة كما المشهد الأول.
يدخل شكيب و ابتسامة تعلو محياه. ينظر في أرجاء الغرفة بحثا عن أمه و أخته. لا يجد أحدا فيبدأ في المناداة.
شكيب ( ينادي ) : أماه ... أماه....
تظهر أمينة . تسرع و تتجه إلى شكيب .
أمينة : ششششت.... ( بإشارة من يدها) اخفض صوتك يا شكيب. إن أمي نائمة. فهي جد متعبة و في حالة نفسية صعبة.
شكيب : و لماذا هي في حالة نفسية صعبة؟
أمينة : و كأنك لا تدري.... لقد صدمتها بأقوالك .
شكيب : أية أقوال؟....آآآآه. أتقصدين كوني لا أرغب في قتل المدعي عباس؟
شكيب : سأعيد كلامي و أرجو أن تستوعبوه جيدا : أنا لن أقتل أي شخصا كان. نحن في دولة القانون و العدالة وذلك دور البوليس. ليس دوري أن آخذ بثأر والدي بيدي............. و لنفترض أنني قتلت ذلك المدعو عباس ، ألا يحق لإبن عباس ، ذلك الشاب المدعو.... ......( يحاول تذكر الإسم و لكن لا يستطيع ) لا يهم ....المهم ، ألا يحق لإبن عباس قتلي أيضا انتقاما لقتلي والده؟
شكيب : ثم هناك شيئا مهما أود إخبارك به أنت و أمي.... ألا يمكن أن توقظي أمنا لسماع ما لدي من أخبار؟
أمينة : لقد رافقتها منذ تركناك إلى غرفتها و تركتها حالما غرقت في النوم. دعها تستريح و أخبرني ما لديك من أخبار.
شكيب ( ابتسامة على شفتيه ) : لن تصدقي ما قاله لي مفتش الشرطة إسماعيل.
أمينة : إسماعيل ؟ ألم تقل أنك ذاهب لمقابلة صديقك مفتش الشرطة مصطفى؟
شكيب : اجل . هو كذلك. و لكن بمجرد وصولي إلى قسم الشرطة ، أخبروني أن صديقي مصطفي في مهمة خارج القرية و سوف يعود في المساء. هناك التقيت بصديقي إسماعيل الذي زفّ إلي الأخبار السارة.
أمينة : أية أخبار سارة ؟ هات ما عندك.
شكيب : قبض على قاتل والدي منذ لحظات.
أمينة ( فرحة ): هل قبض البوليس على ذلك اللعين عباس؟
شكيب : من قال أن القاتل هو عباس ؟ إن قاتل والدنا هو شاب كان يعمل لدى عباس.
أمينة : اللعين . لا بد انه أجزل العطاء لذلك العامل حتى لا تتسخ يداه بدم والدنا الطاهر.
شكيب : يبدو أنك تشاهدين أفلام بوليسية بكثرة. سوف أريحك و أريح مخيلتك من كل تأويل . الحكاية بكل بساطة و كما رواها لي إسماعيل : العامل الذي حدثتك عنه ، و هو يدعى بشير ، كان يعمل لأشهر لدى عباس. و لما طالب هذا الأخير بأجره ، أخبره عباس انه لن يعطيه سنتيما واحدا و ذلك لتجرئه و مخاطبة ابنته عزيزة بطريقة غير لائقة. غضب بشير و قام بسرقة خزنة مال عباس التي عرف مكانها و وضعها في المقعد الخلفي لسيارة عباس التي قام بسرقتها أيضا. و أثناء ابتعاده بأقصى سرعة عن مزرعة عباس ، دهس والدنا المسكين الذي كان عائدا من الحقل على دراجته الهوائية. هذه هي كل القصة.
أمينة : و هل صدّقت تلك القصة ؟
شكيب : و لماذا لا أصدقها؟ لقد أخبرني إسماعيل أن العامل بشير اعترف بكل شيء. وهو الآن موضوع في الزنزانة في انتظار عرضه على أنظار المحكمة لتقول كلمتها و تقرر كم سنة يجب عليه قضاءها خلف القضبان جراء قتله لوالدنا .
أمينة ( تبتعد عن شكيب و تجلس على الأريكة )
شكيب ( يقترب من أمينة ) : أرى أنك لم تبدي أية ردة فعل حيال ما أخبرتك به.
أمينة : أتريد أن أحدثك بكل صراحة؟ يبدو أن إقامتك الطويلة في انجلترا غسلت دماغك و محت منه كل ما يتعلق بأهل القرية و الصراع عائلي بين عائلتنا و عائلة عباس.
شكيب : هل أفهم من كلامك أنه غرّر بي ؟ و أيضا غرّر بالبوليس و تم تلفيق تهمة القتل لشاب حتى يفلت عباس من السجن و العقوبة؟
أمينة : مرحى يا شيرلوك هولمز. و أخيرا توصلت إلى ما كنت أبغي إيصاله لك.
شكيب ( يبتعد عن أمينة و هو غارق في التفكير )
أمينة ( تنهض من على الأريكة و تقترب من شكيب ) : أخي العزيز.... لن يرتاح والدي في قبره إلا إذا انتقمت له من ذلك الملعون عباس. تشجع و اطرح عن كاهلك كل تلك التفاهات التي تفوّه بها ذلك الشاب المغرّر به و الذي لابد تقاضى مبلغا ماليا مقابل قضائه مدة في السجن. لن يرتاح والدي و لا أمي إلا إذا انتقمت لعائلتك و إلا بقي تخاذلك بصمة عار في تاريخ العائلة.
شكيب ( مواجها لأمينة ) : إن ثقتي كبيرة في البوليس..... و حتى إذا كان ما تقولينه صحيحا ، فسوف يصل البوليس إلى الحقيقة إن عاجلا أم آجلا.
أمينة ( تضع يدها اليمنى على الكتف اليسرى لشكيب ) : دع البوليس يقوم بعمله و تحرياته. أنا لا أعترض على ذلك. و لكن ، لتقم أنت أيضا بالمهمة التي وضعت على كاهلك : انتقم لدم والدنا و لشرف العائلة. ذلك هو المنتظر منك.
شكيب ( يبتعد خطوة عن أمينة ) : أنا لن اقتل أحدا. أتسمعين؟ لن أقتل أحدا.
في هذه الأثناء يسمع فتح باب البيت. تدخل الأم و على شفتيها ابتسامة رضا. الأم تحمل في يدها سكينا ملطخة بالدم. يراها شكيب و أمينة و يركضان باتجاهها.
شكيب ( غير مصدق ما يرى ) : ما هذه السكينة يا أماه ؟ و لمن هذه الدماء ؟
الأم : هذا دم ذلك الملعون عباس.
شكيب ( صارخا ) : ماذا؟؟؟؟
الأم ( بكل هدوء ): أجل : لقد غسلت شرف العائلة و انتقمت لوالدك. أنا المرأة الضعيفة قمت بالمهمة التي لم تقو عليها ، أنت الرجل الذي كنت أعول عليه للأخذ بثأر والده.
شكيب ( يلطم خده ) : و لكن يا أماه عباس ذاك بريء من دم والدي. إنه ذلك الشاب بشير الذي....
الأم ( مقاطعة ) : كفاني كلاما..... من الآن فصاعدا لست بابني و لا تقرب لي بنسب. عد إلى تلك البلاد الأجنبية و أتمم دراستك هناك .... و من الأفضل لك و لي أن لا تعود آبدا إلى المغرب و هذه القرية. اذهب أحصل على الدكتوراه و تزوج ممن تريد و انس أن لك أهلا.
أمينة ( تخاطب أمها ) : و لكن يا أماه ، متى خرجت من غرفتك ؟ ألم أتركك غارقة في نومك؟
الم : اعذريني يا ابنتي. لقد مثلث دور النائمة حتى تغادري الغرفة. حال مغادرتك دخلت إلى المطبخ و أخذت هذه السكين التي كان لها شرف قتل ذلك الملعون عباس. ( و كأنما تخاطب نفسها ) الآن يستطيع زوجي العزيز أن يستريح في قبره و أستطيع أيضا أن أتنفس الصعداء بعد أن انتقمت لزوجي الحبيب.
أمينة : و كيف تمكنت من قتله يا أماه ؟ ألم ..... ألم يرك احد ؟
الأم : لقد كنت شديدة الحذر. اختبأت خلف بيته و بدأت بالمراقبة. كان المكان هادئا إلا من صراخ أبناء عباس الذين تحلقوا حول التلفاز لمشاهدة مقابلة مهمة في كرة القدم. بعد نصف ساعة ، و بعد أن بدأ اليأس يهجم على أفكاري ، رأيت ذلك الملعون عباس خارجا لوحده قاصدا مكان ما لقضاء حاجته. ابتعد عن البيت قرابة مائة متر و أنا خلفه على بعد خطوات. عندما وصل إلى المكان الذي أراد، اقتربت منه مسرعة خوفا من ضياع الفرصة و طعنته من الخلف أربع طعنات كانت قاتلة.
شكيب : ولكن يا أماه ، عباس ليس هو القاتل. لقد أكد لي مفتش الشرطة....
الأم ( تخاطب أمينة ) : أرجوك يا ابنتي ، أنا جد متعبة ........ ساعديني حتى أعود لغرفتي. ( يسقط السكين على الأرض )
في هذه الأثناء ، تسمع صافرة البوليس و سيارة تقف بجوار البيت
شكيب ( ينظر في اتجاه الباب ) : لا بد أن البوليس عثر على جثة عباس أو ربما شاهد أحدهم أمي و هي تقتل عباس فبلّغ الشرطة.
الأم : لم يشاهدني أحد. أقسم بذلك .
شكيب : إذا ، فإن شكوك البوليس قادتهم إلى هنا لمعرفتهم بالعداوة بين عائلتنا و عائلة عباس.
أمينة : هل .... يعني هذا أنه سيقبض على أمي و يزج بها في السجن؟
شكيب ( ينظر إلى السكين على الأرض ) : لا مفر من ذلك.
الأم ( ابتسامة على شفتيها ) : السجن لا يهمني أبدا. ما يهمني هو أنني انتقمت لشرف العائلة.
أمينة : أماه ... كيف لك أن تتحملي الحياة القاسية في السجن؟ سوف أجن إن أخذوك بعيدا عني..... زيادة على أنك مصابة بمرض السكري و أنت بحاجة للرعاية.
شكيب ( يحمل السكين بين يديه )
أمينة ( تنظر إليه مستغربة ) : ماذا تفعل ؟ هل تنوي إخفاء أداة الجريمة؟
شكيب ( يمسح السكين بسرواله الذي يتلطخ بالدم ) : بل يجب علي أن أنقذ أمي. سوف أخبر الشرطة أنني أنا من قتل عباس.
يسمع طرق على الباب مرة أخرى.
أمينة : لا يمكن... لا يمكن...
شكيب ( بكل هدوء ) : الأفضل أن أضحي بنفسي في سبيل أمي. أنا أستطيع تحمل السجن.
الأم : لن ترمي بنفسك في السجن. المستقبل أمامك و حياتك و أحلامك في انتظارك.
شكيب : أنت حياتي و كل ما أملك. لن أسامح نفسي إذا ما أخذوك إلى السجن. سوف أخبر الشرطة أنني أنا قاتل عباس.
شكيب ( مخاطبا أمينة ) : اذهبي و افتحي الباب للشرطة. و لكن ارج وان تقومي بتعطيلهم قليلا ريثما أتم أشياء مهمة.
شكيب ( يصرخ ) : أمينة ، نفذي ما أمرتك به.
تخرج أمينة. الأم تحضن شكيب. شكيب يقبل رأس أمه بحرارة.
شكيب : إياك يا أماه أن تخبري أحدا بالحقيقة. عديني بذلك.
الأم ( دموع على خذيها ) : أعدك يا بني. أعدك يا بني.. يا حبيبي.... ( تحضن شكيب )
شكيب : و الآن أخبريني بسرعة أين موقع تلك الشجرة التي قصد عباس؟
الأم : إنها على بعد خمسة دقائق عن بيته. إنها شجرة تفاح.
شكيب : إنني أعرفها.... و الآن اخبريني ماذا كان يرتدي؟
شكيب ( ينظر اتجاه الباب ) : أسرعي يا أماه.
الأم : آآآآه... تذكرت. كان يرتدي جلبابا أسودا به خطوط بيضاء عمودية.
تدخل أمينة متبوعة بمفتش الشرطة و شرطيين في بدلتهما العسكرية. شكيب يرفع يده إلى السماء و هو مستسلم للشرطة و في يده اليمنى السكين التي قتل بها عباس.
ستارة