مقاربة نقدية\ مسرحية باب العواصف لمحمد السنوسي الغزالي
(باب العواصف ) مسرحية طمست معالم الزمان والمكان ، عن سابق إصرارٍ وترصّد !
......................................
أحرجني هذا النص المراوغ ، في فهمه وتفسير دلالاته الحواريه ، والمستندة إلى لغةٍ واضحة ٍ ، وانفتاح أبوابه المبطنة على دلالاتٍ متعددة، زاخرة بالإشارات التي توحي بأنواعٍ مختلفة من التأويلات السياسية والإجتماعية والنفسية ،ولكنني انحزت أخيراً إلى التأويل الإجتماعي عن قناعة .
الأول ، الثاني ، و(هي) المتوارية خلف أبوابها ، وذاك البشع ...هم شخوص المسرحية الحواريه ،مع إغفالٍ تام للمكان والزمان عن سابق إصرارٍ وترصّد ،ومن أجل تحقيق أهداف النص الموغل في غموضه رغم البساطة إذ تكشف عن وجهها للمتلقي .
الأول : هو( أنا المتكلم) المتماهي مع الذات ، وقد ظهر فيما بعد ومن خلال النص سبب تسميته ( الأول ) ، عندما يتنامى الحدث ويصل للعقدة من خلال ( الاول : اعتذر وقال لست انت الاول ، بل لست آخر من يدق الابواب!!).
الثاني : قد يكون صديقاً ، مع أنني أميل لاعتباره مكوًَّن آخر من( الذات أنا) ، في حوارٍ فرديٍ بوحي ، فيه إسقاطات نفسية على قدرٍ كبير من الأهمية .
(هي) : تلك المتوارية خلف أبوابها المتعددة ، وخلف الحوار الذي خلقه الكاتب من أجلها ، ومن أجل تسليط الضوء على قضيةٍ اجتماعية بحتة ( من وجهة نظري على الأقل ) ، وهي قضية الخيانة في أبشع صورها ، رغم صورتها رائعة الجمال التي رسمها الكاتب باستخدام صور بلاغية جميلة ومنسابة ، في أبهى صورة رغم الغموض بطل النص الوحيد غير المتواري في أحداث النص و من خلال اطفات قناديل الغرفة واشعلت قناديلها..كانت عبارة عن شعاع فضائي لايوصف ).
••الثاني : آه..يالحظك الرائع ..اجتحت كل هذا البياض؟؟
••الاول : نعم بكل ما فيه رأيته قطعة من جليد باهر..
ذاك البشع : وفي هذه التسمية ، اعتراف صارخ ببشاعة الحقيقة ، لا في بشاعة هذا البشع نفسه ، أقصد أن الكاتب حمّل هذه الشخصية
في ظهورها الأول والوحيد ، كل أوزار البشاعة المتجلية في حقيقة ( هي ) الخائنة ، وهناك سبب آخر ومنطقي ، وهو أنه المسؤول ظاهرياً عن تلويث تلك اللوحة الجميلة التي كان يعيش داخل إطارها .
..............
كان الحوار يعتمد على الوصف السردّي الممتزج بسحر الخيال مما يترك للمتلقي حيزاً شاسعاً للتحليق في عوالمٍ أخرى ، وأقصد هنا وصف المتعة التي ذاقها ( الأول ) من خلال كان الفراش وثيرا وكانت في حلتها ترسل للقمر مواعيدا لاتخطئها ..)
• (اوقدت النار ، وبعد قليل كانت روائح البن تجتاح رأسي..) وقد أحضر الكاتب هنا ( البنّ ) كرديف للمتعة ،وفي صورةٍ رمزية كومضة ، وقد كانت وما زالت القهوة تعبّر عن المزاج عند الكثير من الكتاب .
* والرياح كانت في الخارج عاتية..لكننا لم نحس بها لفرط الوجد وخدر الغرام!!
وقد أتوقف هنا عند هذه العبارة ، لأضع يدي على إشكاليةٍ واجهتني ، فالأول يعترف أنه أسيرللوجد والغرام ، ولكنه وفي مكانٍ آخر من النص يعطي صورة لا يقبلها العاشق على نفسه وهي العبارة : (..لكني لست ضد ان تقضي وقتها...وكانت لتقول لي فأنا لااملكها.)!!!
• ظهور الحقيقية كان موجزاً ، ومكثفّاً ، مما أعطاه بلاغة واضحة ،( في البداية لم اصدقه !!لكنه جاءني ومعه الباب الخلفي وقال لي إقرأ..وكانت هي تكتب...ياإلهي لم اصدق ان للسحر باب خلفي.)
لكنني شعرت أن الحوار الذي دار بعدها لم يكن ضرورياً وأقصد هنا : (•الثاني: يا للمسكين انت ياصديقي..وماذا حل بك؟؟.
•الاول : لم اقل لها شيئاً اتعرف لماذا؟؟
•الثاني : لماذا!!
•الاول : لان الباب يغني عن الجواب؟؟).
• ولا أنسى هنا الإشارة إلى هذا الإستهلال للنص (قالت له انت الامل فأدخل من الباب عاري الرأس ) ، وتلك العبارة عاري الرأس بكل إسقاطاتها ودلالاتها الرمزية ، وتأثيرها المعنوي على قلب النص وعقله .
................................
• كانت القفلة جميلة ، وهي من النهايات المفتوحة ، كأبوابها وشذا عطورها ، مما يترك للمتلقي مساحات من المتعة الفكرية
..................
عموماً ، كان النص يطرح قضية اجتماعية وهي الخيانة ، دون أن يتدخل أبداً في مناقشتها ، وفي رأي ٍ شخصي ، أعتبر أن محمد السنوسي الغزالي استطاع أن ينجح في إرساء ديموقراطيته على أجواء النص ، ولم يسقط رؤاه الخاصة ، بل اكتفى بالطرح مع إشارات مبهمة وذكية ، تجعل المتلقي يتجه نحو رؤية البشاعة فيها دون إقحامٍ أو تعدي .
كان الحوار يتسم بالتكثيف والتركيز مع الحرص على وحدتي الحدث والإنطباع ، في قالبٍ مشوّق ، حتى النهاية .
كانت اللغة واضحة وبعيدة عن التعقيدات التي لا داعٍ لها ، وكانت الصور والتشبيهات ، في غاية الجمال مع لمسةٍ حالمة واضحة ، وظهور واضح للرمز ، وبعض التضاد في ( قطعة من جليد باهر \ ليلة دافئة ، اطفأت \ أشعلت ) .
وردت الكثير من الأخطاء في الهمزات ومنذ بداية النص (انت الامل فأدخل) ، وفي استخدام علامات الترقيم ، ممّا شوّه هذا النص الثرّي .
كان إبحاري في هذا النص مرهقاً ، لكنني استمتعت كثيراً وأحيي كاتبنا القدير محمد السنوسي الغزالي ، على هذا الإمتاع ،وأشكره على سماحه لي بهذه المصافحة لنصَّ يحمل هذا البهاء .