لم يكن له يوما محددا..كان يختار يوما من ايام
الاسبوع ليختلي بنفسه..هكذا يرى..
في مشّرب يطل على دجله في زاوية من شارع النهر
يجلس على طاوله قريبه من النهر..
ذات يوم..والشمس لم تزل ترخي سدولها..اختار مكاناً
قصياً..يطل على النهر...
لم يكن في المشّرب الا بعض من رواده..
صمت المكان..وصوت ام كلثوم.يمتزجان في لوحة
تأمل..وبعض من صخب القوارب تمر بين الفينه والاخرى تعكر صفو تأملاته..
يمتد بصره عبر الافق..فخيوط الغسق تعانق الليل بداياته.
.وصوت ام كلثوم يرسم في الذاكره عشقاً
وهمياً..تتناغم الروح معه من وجع الحقيقه..
هالة بصورة واحه غناء تتجول النفس فيها..لتجد
بعض من رياح نقيه..تنعش الشهيقين
احياناً الخلوه تختصر الزمن..فجأةً وجد نفسه
وحيدا الا من ..طاولتين لرجلين ..
اضواء المحلات على النهر تعكس ضياءها
وتختفي رويدا..قوارب المتنزهين..وهو غارقاً
في تأملاته..وصوت ام كلثوم مع صمت المكان
يعطيها مساحه للتأمل..كأن صوتها..رديف الصمت ..
والحلم الممدود يتهادى مع جريان النهر
ايقظه من حلمه وتأملاته..صوت ..خافت
وقعقعة كراسي..
التفت ..ليرى رجلا كبيرا ثملا وقع عن
كرسيه..وتناثرت ما على طاولته على
الارض..
كان النادلان يعيناه على الوقوف..ويحاولان
لملمة ما تناثر..
نهض من مكانه...واسرع الى ذاك الرجل
ووضع يديه تحت ذراعيه ليساعده على الوقوف
واجلسه على كرسيه..
نظر الى وجهه المتعب..ساعده في وضع نظارته
على عينيه...وهنا بانت ملامحهه..فبنظارته عرفه
استاذي الرائع....همس له بصوت متهدج...لم يكن
الا استاذ اللغه العربيه في مرحلة الاعداديه واول
من اسس مجلة طلابيه اختاره بهيئة التحرير
كان ذو مباديء..مستقيم..يحلم بمستقبل افضل
لا يساوم على الثوابت..لغته العاميه..فيها من الفصحى
الكثير..فأخذ منه ذلك
رفع رأسه وحدق في وجهه..وتمتم بصوت الثمل
انت واحد من اثنان.
..ثم استدرك..بل انت..انت؟؟
سأله..استاذي الرائع..لم انت هكذا؟؟
وهو يتكيء عليه..اجابه بصوت مرتجف..
الخديعه يا ولدي...نحن نبحر في عالم مزيف
وما انا فيه..بعض من طوفان الزيف