تفكير بصوت مسموع، مع الأستاذ شاكر السلمان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عمرمصلح
"مريم والملكات الثلاث في القرءان الكريم"
عنوان كتابٍ.. لمؤلفه الأستاذ شاكر عواد سلمان، وهو بواقع 134 صفحة من القطع المتوسط، صدر في بغداد عن دار الحوراء سنة 2010
ابتداءً سأعطي رأياً متواضعاً بالغلاف.. الذي حاول المصمم أن يكون واقعياً، فأدخل ثلاث صور (نملة، وخلية نحل، وشعار مملكة سبأ)، مما يعطي انطباعاً عن أن المحتوى علمي صرف، حيث أن هكذا دراسات – حسب رؤيتي التصميمية – كلما اقترب التصميم من التجريد، والتوزيع المكاني للون، كان أكثر تعبيراً.. إلا أن هذا لايعني عدم جمالية الغلاف إطلاقاً.
وكعادتي، قبل أن ألج المتن أطالع العناوين الفرعية والمصادر.. فتفاجأت بالمصادر التسعة التي اعتمدها المؤلف.. حيث أن أبسطها يحتاج إلى جهود مضنية لاستدراج المعلومة التي يبغيها الباحث، والمعلومة متشظية، ومتوزعة في أكثر من مفصل أو جزء أو موضوع.. فتأكدت بأني على خير وفير، بنفس الوقت الذي شعرت فيه بالأزمة التي رافقت الأستاذ السلمان طيلة فترة التأليف والإعداد.
فالإعجاز العددي في القرآن الكريم وحده يحتاج إلى جهد مكثف، وقراءات جمة.
وعوداً على العنوان أقول، لابد من خلق علاقة - أي نوع من العلاقة - بين السيدة مريم وباقي الملكات.. وإلا سيكون العنوان غير مستوف لشروطه.
إذاً لابد من وجود علاقة بين السيدة العذراء ومملكة النحل ومملكة النمل ومملكة سبأ
وهذا ما تأكدنا منه في مملكتين اثنتين فقط، أما مملكة سبأ فلم أجد هنالك ثمة علاقة، سوى أن الملكة بلقيس أنثى.
وهذا ما سنقوله من خلال انطباعنا هذا في أدناه
في الصفحة (15) ابتدأ الباحث بالولوج في قضية البحث.. أي انه استغل الصفحات السابقة كـ (بيبلوغرافيا) مختصرة عن سيدتنا العذراء.. لكنه عرَّج على منطقة مهمة جداً، ولها علاقة صميمية بعمق المبحث، وذلك في الصفحة (10) عندما تحدث عن حكمة ولادة سيدنا المسيح عليه السلام من غير أب.. وهذا ما سنذكره آنفاً عند ولوجنا مملكة النمل.
في الصفحة (15) اشتغل الأستاذ السلمان على موضوعتين.. أولاهما هي قضية الإعجاز العددي في سورة النحل، وتحديداً الرقم (16)، حيث أن تسلسل سورة النمل (16) وعدد آياتها (128) وكما معلوم أنه عدد من مضاعفات العدد (16).. وأشار الأستاذ السلمان إلى أن عدد الكروموسومات عند النحل هي (16)، وكذلك أن اسم عيسى بن مريم عليه السلام قد تكرر (16) مرة في القرآن الكريم، وهو نفس العدد عند ورود اسم السيدة مريم عليها السلام.
وأضاف إلى أن كلمة (الرحمن) أيضاً قد تكررت (16) مرة، ولكني لم أجد مسوغاً لربط هذا بذاك.
وما سوى ذلك - فيما يخص سورة النحل - هي معلومات علمية، وإثباتات دراسية عن دورة حياة النحل وطقوسه وأسراره، وكلها معلومات دقيقة ومهمة للباحث في ميدان النحل فضلاً عن انها تؤكد عظمة الخالق سبحانه.
وهنا أود أن أشير إلى أن الكاتب أراد أن يضرب عصفورين بحجر.. وإلا كان بإمكانه كتابة كراس تعريفي وتعليمي عن النحل.. فهو جهد متميز.
أما سورة النمل فهي بالتسلسل (27) أي ليست هنالك ثمة علاقة تضاعفية بالرقم (16).. لكن وعي الباحث، ودرايته بخطته التكتيكية وتوزيع أدوات اشتغاله على خارطة المبحث جعلتني أتمعن بالقراءة، فوجدت هنالك علاقة هائلة، بل ومبهرة جداً حيث أن النملة إن لم تلقح سيكون انتاجها ذكوراً فقط .. كما ان كروموسومات ذكور النمل هي 16 وتأتي هذه العلاقة الرقمية بالسيدة مريم بأنها جاءت بالسورة 16 من القرآن الكريم، وهذا لعمري اشتغال مهم.
لكني توقفت عند مسألة كيفية إنتاجها للذكور، وهي لم تلقح، وجواب هذه المسألة مرهون بعودتي إلى مدى إمكانية ذلك لدى بعض المخلوقات.
ولم ينس أن يعطي بعض معلومات عن النمل، ودعم ما ذهب إليه بنصوص قرانية، تؤكد إمساك الباحث بأدواته، ووعيه الكبير.
لكني وجدت أنه قد أقحم مملكة سبأ في هذا المنجز الثر، حيث لم أجد ثمة علاقة بين بلقيس والسيدة العذراء.. كما حدث مع المملكتين، إلا استثناء واحد، هو أن جميع الملكات في تلك الممالك كن أناثاً.
ما ورد أعلاه هو مايخص المملكات والملكات.. أما الآن فسأتناول موضوعاً يقترب من المبحث، ويبتعد.. ربما
أورد الأستاذ الباحث في عرضه قضية إعجاز ولادة سيدنا المسيح عليه السلام، على أنها سابقة غير مسبوقة.. وقد أغفل شيئاً - متقصداً قطعاً - هي قضية ولادات (تموز) في وادي الرافدين و (هوروس) في مصر و (زحل) عند الرومان و(باخوس) عند الاغريق.. حيث أنهم - وفق الميثيولوجيات - سبقوا ولادة سيدنا عيسى عليه السلام، بآلآف السنين، وكلهم وُلِدوا من عذارى، والأكثر غرابة من ذلك، كانت ولاداتهم في نفس تأريخ ولادة سيدنا المسيح!.
وهذا أمر يجب توقف الباحث عنده، وتأمله، وإبداء الرأي بشأنه
وهنالك قضية أخرى.. هي انه اعتبر ولادة سيدنا عيسى عليه السلام، من غير أب معجزة غير مسبوقة، أو هكذا أنا فهمت.. لذا صار لزاماً عليَّ أن أذكِّر أستاذنا الموقر، بأن سيدنا آدم عليه السلام قد وُلِد من تراب، أي لاأب له ولا أم، وكذلك سيدتنا حواء إذ خُلِقَتْ - وفق النصوص الدينية - من ضلع آدم وهذا يعني أن لها أب وليس لها أم.
هذا بعض انطباعي عن فهمي للمبحث المهم الذي أفادنا به الباحث الفاضل.
بقي شيء بسيط وددت الإشارة إليه.. هو الإملاء والطباعة.. حيث كانت صحيحة جداً ودقيقة تماماً، وهذا بالتأكيد.. جهد مضاف من قبل الكاتب . لكني توقفت عن الهمزة كثيراً.. حيث أن أغلب تدوينها ورسمها كان خاطئا، وهذا ليس قليل.. إذ أنها شوَّهت متعة القراءة.
مع أسمى اعتباري، وعظيم تقديري للوعي والثقافة والمعلوماتية المتجسدة بالأستاذ شاكر السلمان الموقر.