((ساعة الصفر))
ها قد حانت ساعة الصفر وصاحب المعول الأنيق لم يصل بعد.
كان يمكن لهدوء الليل أن ينبئني لو حدث أي شيء،إنه الآن في مكان ما يغرس معوله في عمق دافئ وعطشان.
ـــ لما لا تقيم اعتبارا لساعة الصفر التي تعاهدنا على احترامها؟
ـــ وما هي ساعة الصفر هذه؟
أتراه سيقول ذلك حقا ؟ أقسم بغلاظة القضبان التي تحول بيني وبينه،إن تلفظ بحرف منها سأتوسل بالهياكل البشرية التي تحيطني أن تنهض وتنال منه ومن فمه الشهي،إنه غبي لا يعرف ما تعنيه ساعة الصفر وما تعنيه عندي ساعة الصفر أو الاشتعال ولكن...ما كل هذا الهراء؟فقد تكون تلك الهياكل اللعينة هي من حجبت عن ناظريه بشكلها المريع ساعتنا اليتيمة،ولكن...ألم يتعود على زراعة اللذة في صميم الرعب والموت والجحيم؟
كان لنا في ساعات مضت من عمرنا تجارب وسوابق عديدة،ما زلت أذكر حين باغتني أول مرة وأشعل الضوء وتدفق من المصباح دم غزير ومريع حول ساعة صفرنا إلى ساعة لزجة حمراء ،أنا متأكدة من تواجده في مكان ما،مكان قريب مني ولكني لا أراه.
ساعة الصفر تجري بدواليب عنيدة،تركض لتمجد مع قرقعة الأبواب خيبتي،ولكن لا...لا لايمكن أن أفكر بالسواد فأكون فريسة لليأس بهذه السرعة والسهولة.ها هو الممر خال وشخير الأخريات يعلو ليتحد مع موائي،إنه قريب ويمكنه في لحظة وصوله أن يؤمن من بين برودة القضبان دفئي .
ساعة الصفر تكاد أن تختنق وتتهاوى بدقائقها وثوانيها وهو ما زال مترددا أو ربما هدر الرغبة خاصتي في جوف جديد.
ذلك الشباك المظلم هو ساعتي وهو بوصلة الوقت في حساباتي،لكنه تأخر...أخبرته في آخر اتحاد بيننا بأني لن أطلق العنان لصرخاتي ونشوتي رغم إن القضبان التي بيننا تحجب عن غوري سنتمترات أنا في حوج إليها ، بل احتاج المزيد لذلك صارت القضبان عدوي،هل أنام واترك حصتي من النشوة والدفء؟ لكن لا يمكن أن أفقد جزئي،الدفء جزء مني لم أفرط به منذ أكثر من عام،آه... متى يأتي ويدس ثعبانه الأنيق من بين القضبان فيغوص في فراغي،ذلك الداعر الذي يقتحم وحشة هذا المكان ليحوله كرنفال أنين وتعرق وقشعريرة وخدر مدته ساعة واحدة، ساعة الصفر التي انتظرها الآن،هل أناديه وأستغل ما تبقى من الوقت واكتفي بقبلة يتيمة تؤمن لي جزءا من الدفء؟ لكن لا... ما اعتدت على ذلك ، فالجنون الذي يتملكني أكبر من أن تغربله قبلة خرقاء.
الوقت يمضي والساعة اختنقت وذلك الشباك بات قريب عن إعلان موتي،هاهي الأقدام تسحق الأرض،أحدهم يصرخ:
ـــ فليستعد القذرون لوجبة الفطور الشهية!
آه... وجبة الفطور،هذا يعني المزيد من التعذيب والألم،ألم لا أنساه إلا حين يعانقني ويقتحمني من خلف القضبان في ساعة الصفر، ساعة صفرنا في هذه الزنزانة البغيضة.
***
مشتاق عبد الهادي