...سطحٌ ساكن ، أين منه سكون القبور . إن الصوت وليد الهواء . وسطح القمر لا هواء فيه . فلا صوت يمكن ، مهما خفت ، أن يكون .
والقمر نفسه ، لو أن له روحا ، لكانت روحه في هذه الوحدة معذبة . إنها وحدةٌ أبدية . دورة من بعد دورة لا تنتهي . سفرٌ إن عرف القمر له أولا ، فما عرف متى يكون له آخر .
فهذا هو القمر الذي شبهوا به وجوه الحسان ، فضحه العلم أي انفضاح . فُوهات براكين وسهول جافة وسلاسل جبال وعرة . ولكن هل معنى هذا أن ننصح الشعراء بأن يكفوا عن تشبيه الغيد به ؟ بالطبع ، لا . إن الشعر أعذبه أكذبه . والعلم إن تأسس على الحقيقة فالشعر مؤسس على الخيالات ولو كاذبة . والإنسان ، ليعيش حياته هذه القصيرة فيهنأ ، لا بد وأن يسير على رجلين . رجلٍ من حقيقة جافة قاسية وأخرى من خيالاتٍ عذبة . تلك تشبع العقل ، وهذه تنعش القلب .
فلا عتب علينا ولا ملامة إذا نحن خبرنا مثل ما خبر ابن زيدون من صاحبته ولادة ، أن نقول معه :
ودّع الصبر محبٌ ودعك -- ذائعٌ من سره ما استودعك
يقرع السن على أن لم يكن -- زاد في تلك الخطى إذ ودعك
يا أخا البدر سناءً وسنا -- حفظ الله زمانا اطلعك