فاطمة والكنز
هوى بيديه إلى الأرض ينكر مقعده ، أفترش مؤخرته على بساط رث ، صافح الجدار ظهره محتضناً إياه ، كأنها ألفة بينهما أزاح عمامته المنكفئة علي جبهته وأطلق حدقتاه في غور السماء. فيض من خرير يغرق الخدين ويبلل لحيته ، صدمة أم أمل أم دهشة ودموع فرح ؟ ، صمت يسود خيمته ، وفاطمة تقف لا يخفي وجهها الابتسام . لماذا لا أغيب معها ؟ . درب التيه مفتوح واللحظة لا توصف،
*****
حملت على كتفي لعبتي وبسطت راحتي أصنع منسوج أرتديه ،
أخشى أن لا يمكنني (الظَهْر) الحظ ويقام في طريقي سداً يمنعني ويعقوني عن تحقيق ما أصبوا إليه من مراد . أقمت جسراً للعبور أتحسس الخطى ، أول رمية مسددة ، أغدق من بشاشة الوجه وأزيد من مكيال تبسمي ، أهذب من كياستي أنتقي حيلي وفي عينيي طموح ومأرب، أتعشم أن يكون المولود ذكراً خشية الانتكاسة ، طائر الليل يحلق فوق فريسته التي لا تراه ،
******
لم تتوقف الأساطير عن الفرعون الراقد جثمانه تحت التراب والطلسم لابد أن ينفك من على باب السرداب ، يلفني الرجاء بالأمل حين تقرع طبول ثورتي في الخيال وتقترب الصورة التي أخلبتني ، يأخذني المدى إلى الصورة وترتفع من عيني حين يصدح الآذان وتسكت قرع الطبول ، أسلق الصلاة سلقاً وأعقبها بالدعاء وأعود إلى طريقي حيث يسكن الفرعون ، أقتفي كتب السحر والتنجيم وجدت بغيتي في شمس المعارف ، أمضي الليل وأنا جالس في بهو بيتي والسراج منطفيء منتظراً ملك الجآن الموكل بهذا الكنز ،رائحة البخور عبرت حدود المكان ، أصغي بأذني لعل العفريت يستجيب ويأتي ، الليل يمرق ويأتي الضحى يتقدم وسواسي يهامس ني . لا تيأس ولا تخشى شيئاً فسلامة أكبر دليل لك لكنه لم يثبت حين رآه بعينيه ، سلامة خرج ولم يعد ، أصبح مخبولاً ولم يقدم شيئاً عما رآه ، حتى الكلام ما عاد يخرج من ثناياه سليما ، قال : هل تريد أن تظل بينهم معدوما . الكنز في انتظارك ،كنزك لا يقدر بثمن وأنت ما زلت متردد ، قلت : أخشى أن يصيبني ما أصاب سلامة ،ضحك وسواسي ضحكة أفقدت إدراكي على حرارة الشمس وهي تلسعني ، كأنه يسخر مني وأراه ينصرف
يكباني على وجهي ، قطعت في مشواري الكثير ولم يتبق إلا القليل سيكون الحظ حليفي والمفتاح في يد فاطمة ،
فاطمة ..! وما شأنها يا معتوه ، قال : سيفك طلسم كنزك بدم البكارة وفاطمة ما زالت بكراً وقد بدأت لعبتك فلا تتأخر ولا تتواني ،
*****
استيقظت من كابوسي وعمدت أشتت الخيال الرمادي الأسود ، رعشة تنتابني أهتز جزعاً ، التقمت كرات ثلج من زمهرير الشتاء ، خرجت على رأسي ولا أعرف متى أنتهي ؟
شننت حرباً علي الخيال ، وسارعت لأخمد هجيراً ألهبني قيظه ، أقبلت على رفاقي الذين تعودت منهم الصفاء وصحبتهم تروقني أسعد بوجودهم بجواري وهم علي أطراف النخيل أو بين ثنايا الأغصان على الأشجار يتدثرون بظل أوراق الشجر يتناقلون الحديث بينهم في مودة وألفة ، مرت اللحظات وما بدي فراقهم مع خشية عودة عفريتي وسيحل الظلام ويرحلون ،
تثاقلت خطواتي وأنا أعود أدراجي ،شيئاَ داهمني وأنا أقف على أعتاب المسجد لأصلي ً،امتثال للمأخذ الذي نضج في قدره واستوي ،ماذا لو لم يلعب الحظ لعبته ؟ وافتضح الأمر ، أسند ظهري كأني أستريح ، نعم الخُلق خُلق جارنا ونعم الجيرة ، أيكون المقابل الجرح وقتل الإحسان ؟ غامض أيها الساكن في داخلي ما هذا بسلوك مؤمن ؟ نعم حتى لو كانت تكبرني في العمر ، أو لم يك بيني وبينها سابق وقبول ، أخضعتني الصلاة للرقيب وأخذني المحاسب بين مد وجزر ، احتبست أنفاسي بداخلي وأشعلت لفافة تبغ من صندوقي ، حان وقت الفرار والهروب أفرغت الأكياس التي تعبأت في الظلام ،مالي وفرعون وكنزه ليظل غارقاً تحت التراب ، الذائقة لا تستسيغ ولا تهوى ما لم تقبله الوجدان ، سأهرب و سيكون هروبي إلي الله ،ما شأن الذي فاض دمعه وسال علي خده ؟ أأقتل فرحته ، سأطوي المسافة التي تباعد بيننا أعلم أن الشمس تشرق كل صباح ولا أرها ، اليوم أشرقت مرة واحدة ولن تغرب عن عيني ، علي مرمي البصر ترتفع مئذنة المقام الزينبي وصدى المادحين يهز الجسد ، يرتعش جسدي حين يغمره نسيم الصواب وأمد يدي أقبلها