إبان نوبة سأم حادة همت ُ باتجاه حديقة مرمية في الحافة الشمالية للمدينة ، لمحت وسطها صديقي حسن ، جلستُ جنبه ، نويت أن أهمس بإذنه مع قناعتي أن لا داعي للهمس طالما ليس في الأمر سر ولا أحد معنا في الحديقة ، لكني فضلت أن أهمس بإذنه لسبب لا أعرفه بالضبط ، اقتربت منه ، فمي يبعد عن إذنه المثقوبة من شحمتها مقدار ثلاثة أصابع ، اعتقد أنه يسمع أنفاسي ، يقينا ً أنه يسمعها ، فتحت عينيّ على سعتهما ، ركزت ُ جيدا ً أن الذي أراه صحيحاً ،نسيج عنكبوت يغطي أذنه ورقعة من رأسه ، نسيج مغبر وقد وقعتْ في شراكه بعض الحشرات ، ذبابتان ودودتان أو ثلاث صغيرة متيبسة ، انتقلتُ منبهتا ً إلى الجانب الآخر ، وظلّت ْ النية قائمة أن أكلمه همسا ً .
اقتربتُ من أذنه الثانية شاهدت ُ شريطا ً بنيا ً غامقا ً رفيعا ً من الطين اليابس يبدأ من داخل أذنه باتجاه صدغيه ثم ينحدر إلى الأسفل / الفكين / الحنك / الرقبة ، حتى يصل إلى أبهام قدمه ثم يدخل الأرض..ما هذه الأرضة يا ألهي ...
درءاً للإحراج بدأت أتحدث معه ، ذكرته بصديقنا عبد الله هذا العاشق الولهان الذي طلب يد حبيبته سبع مرات ولم يفلح إلا بالثامنة ، كان يحبها حبا ً جنونيا ً ، كم كنت انصحه – يا أخي يا عبد الله – لا تخرج رأسك من الموضع .. لا تتحرك أكثر من اللازم ، العدو يترصدنا ، كان لا يستقر في مكان ، لذا كان المشهد مرعبا ً عندما كان يتحدث معي وأصابته رصاصة قناص في جمجمته وعلى مرأى من حسن الذي يعزه كثيرا ً ، كان آخر ما قاله ..( تحياتي لزوجتي العزيزة آمنه ).
تركها حاملا ً بولده ، بكيت ُ كثيرا ً ، لم أتمالك نفسي ، لكني كنت ُ مندهشا ً حد الاستياء لأن صديقي حسن لم يشاطرني الأسى ولم يبد أي تأثر ، غيرتُ مجرى الحديث فإن حسن يبدو غير مكترث لما أقول ، ربما لظرف نفسي أو أنه تشبع بمثل هذه الأحاديث ، رويتُ له أطرف ما سمعت من نكات إلا أنه لم يضحك ، ربما أن النكات غير مؤدبة ، نظرت بوجهه كان جامدا ً لا يتكلم ، عيناه مفتوحتان لا يوجد فيهما سواد كأنه أعمى ، رأسه أبيض ، وجهه أبيض ، ملابسه بيضاء ، ضربته مازحا ً على بطنه ، آلمتني يدي كثيرا ً ولم يبد أي رد فعل ، كانت ْ بطنه صلبه جدا ً ، نهضت ُ من مكاني لأقبله ُ واعتذر ُ له عن هذياني ، ارتطم رأسي بكتفه فأحدث كدمة كبيرة في رأسي ، لم أكترث للموضوع ، بل انصرفت ُ مطأطيء الرأس عندما اكتشفت ُ أني أكلم تمثالا ً لا يشبه صديقي العزيز حسن أبدا ً....