من معجم الفيسبوك .. الاستعارة في النكز الكلمة العربية التي أحياها الفيسبوك
من معجم الفيسبوك .. الاستعارة في النكز الكلمة العربية التي أحياها الفيسبوك
(1)
هل نكزك أحد في "الفيسبوك"؟ هل نكزت أحدا؟ هل سألت أحدا عن معنى "النكز" الموجود في الفيسبوك وخضت نقاشا بشأنه؟ هل اهتممت بهذه الخدمة الفيسبوكية اهتماما لغويا من قبل؟
يقال: إن كل ذي مهنة لا يلتفت فيمن حوله وما حوله أول ما يلتفت إلا إلى ما يتصل بمهنته؛ فالحَذّاء يذهب بصره إلى الحِذاء، و... واللغوي يذهب سمعه إلى لغة محدثه أو محدث غيره في محضره، ويذهب اهتمامه إلى جديد اللغة التي تصادفه أينما حل وحيثما أقام.
وعندما صادفتني هذه الكلمة أول دخولي الفليسبوك منذ سنوات ليست بالقريبة عددتها شأنا فيسبوكيا لا يعنيني، ومكثت ردحا من الزمن لا أهتم بمن ينكزني. ثم بدأت بعد إلف الفيسبوك أعدها شأنا شخصيا فبت أسأل عنها، فقيل وقيل، لكن القيل والقال لم يزيلا داعي السؤال.
ثم بدأ الفيسبوك يفسر تلك الكلمة التي أدخلها حياة العرب عند بعضهم الذي يظنها غير عربية في هذا العصر الذي تغرّب العرب عن لغتهم لسانا وأذنا واهتماما، أو أحياها عند بعضهم الذي يعلم أنها عربية.
كيف؟
يقول الفيسبوك مرة: نكزك فلان في تعليق، ويقول أخرى في السياق ذاته: ذكرك فلان في تعليق.
إذًا، فسّر الفيسبوك صاحب إحياء تلك الكلمة بأنها الذكر.
وهذا التفسير يجعلك تسأل: أهذا المعنى معنى معجمي ورد عن العرب في معاني تلك المادة اللغوية "ن ك ز"؟ أم معنى مجازي قاسه فريق تعريب الفيسبوك الذي أدعو الله تعالى له أن يجزيه خير الجزاء بإحياء كلمة عربية في أذهان العرب وآذانهم؟
ولو ذهبت في سبيل الجواب تستقرئ المعاجم لوجدت أن المعنى الجديد استعارة من معنى يرد في معاني تلك المادة.
كيف؟
لنستقرئ المعاجم أولا، ثم نبين التطوير الدلالي آخِرا.
(2)
وفي رحلتنا في المعاجم نبدأ بالمعنى العام للمادة كما يورده معجم "مقاييس اللغة" لابن فارس.
ماذا ورد في المقاييس؟
يقول: (النون والكاف والزاء أُصَيلٌ يدلُّ على غَرْزِ شيء ممدَّد في شيء. يقال: نكَزْتُه بالحديد أنكُزُه، وذلك كالغَرْز. ونَكَزَت الحيّةُ بأنْفِها. ومنه: نكزَ الماءُ: غاضَ، كأنَّه كالشَّيء يدخُل في الأرض. وبئرٌ ناكزٌ: غارَ ماؤُها. وأنكَزَها).
إذا، المعنى العام الذي يحتوي صيغ هذه المادة هو "غَرْزِ شيء ممدَّد في شيء". فماذا عن أبواب هذه المادة الصرفية؟
لهذه المادة "ن ك ز" بابان صرفيان.
ما هما؟
يوردهما الجوهري في مفتتح المادة في (الصحاح) قائلا: [نكزت البئر بالفتح تنكز نكزا: فنِى ماؤها. وفيه لغة أخرى: نكزت بالكسر تنكز نكزا. وأنكزها أصحابها، فهى بئر ناكز، أي قليلة الماء. قال ذو الرمة: (على حميريات كأن عيونها *** ذمام الركايا أنكزتها المواتح). والنكز: كالغرز بشئ محدد الطرف. قال أبو زيد: نكزته الحية: لسعته بأنفها. فإذا عضته بنابها قيل: نشطته. قال رؤبة: (لا توعدنى حية بالنكز). وقال الأصمعي: نكزه، أي ضربه ودفعه].
ويزيد الزبيدي في مفتتح المادة في "تاج العروس من جواهر القاموس" الأمر إيضاحا فيبين أن في هذه المادة بابين، هما: فعل يفعل بفتح عين الماضي وضم عين المضارع، وفعل يفعل بكسر عين الماضي وفتح عين المضارع.
ماذا يقول الزبيدي؟ يقول: [نَكَزَت البئْرُ كَنَصَرَ وفَرِحَ، تَنْكُز وتَنْكَزُ نَكْزا ونُكُوزا: فَنِيَ ماؤُها، وقيل: قَلَّ. وأَنْكَزْتُها، وكذلك نَكَزْتُها. وهي بِئْرٌ ناكِزٌ ونَكُوزٌ كصَبُور، قال ذو الرُّمَّة: (على حِمْيَرِيَّاتٍ كأَنَّ عُيُونَها ** ذِمامُ الرَّكايا أَنْكَزَتْها المَواتِحُ). ج نَواكِزُ ونُكُزٌ، بضَمَّتين. ونَكَزَ الماءُ نُكُوزا بالضَّمّ: غارَ ونَقَصَ . نَكَزَتْهُ الحَيَّةُ تَنْكُزُه نَكْزا: لَسَعَتْ بأَنفِها. وخَصَّ بعضُهم به الثُّعبانَ والدَّسّاسَةَ، قال أَبو الجَرّاح: يقال للدَّسّاسة من الحَيَّات وحدَها: نَكَزَتْه، ولا يُقال لغيرِها. وقال الأَصمعيُّ: نَكَزَتْهُ الحيَّةُ وَوَكَزَتْهُ ونَشَطَتْه ونهَشَتْه بمعنى واحدٍ. وقال غيرُه: النَّكْزُ: أَن يطعَنَ بأَنفِه طَعنا. نَكَزَ فلانٌ: ضرَبَ ودفَعَ، نقله الجَوْهَرِيّ عن الأّصمعيِّ. في التكملة: نَكَزَ: نَكَصَ. والنِّكْزُ، بالكسر: الرُّذال، والذي في التكملة: الرَّذْلُ، أَي من المال والناس، وكأَنَّه لغةٌ في النَّقْز.النِّكْزُ أَيضا: باقي المُخِّ في العَظم. النَّكْزُ، بالفتح: الطَّعْنُ بالغرزَ بشيءٍ مُحَدَّد الطَّرف، كسِنان الرُّمْح، وقيل: بطرَف شيءٍ حَديدٍ. النَّكّازُ، كشَدَّاد: حيَّةٌ لا يَنْكُزُ إلاّ بأَنفه. وقال النَّضْر: ليس له فَمٌ يَعَضُّ به. قال غيرُه: لا يُعرَفُ ذَنبُه من رأْسِه؛ لدِقَّةِ رأْسِه، وهي من أَخبث الحَيَّات لا تقبلُ رُقْيَةً، ج، نَكاكِيزُ ونَكَّازاتٌ. قال أَبو زيد: النَّكْزُ من الحَيَّة بالأَنف، ومن كلِّ دابَّةٍ سِوى الحَيَّة العَضُّ. وقال شَمِرٌ: النَّكَّازُ: حَيَّةٌ لا يُدْرَى ذَنبُها من رأْسِها، ولا تعَضُّ إلاّ نَكْزا، أَي نَقْزا. ومما يستدرَكُ عليه: جاءَ نَكْزا، أَي فارِغا، من قولهم: نَكِزَت البِئرُ، عن ثعلَب. وقال ابن الأَعرابيِّ: مُنْكِزا، وإنْ لم نسمَعْهُم قالوا: أَنْكَزَت البئرُ، ولا أَنكَزَ صاحِبُها. ونَكِزَ البَحْرُ: نَقَصَ. وفُلانٌ بمَنْكَزَةٍ من العيش، أَي ضِيقٍ. والنَّكْزُ: العَضُّ من كلِّ دابَّةٍ، عن أَبي زيد. ونَكَزَ الدَّابَّة بعقِبه لِيَحُثَّها: ضربَها. وقال الكِسائيُّ: نَكَزْتُه ووَكَزْتُه ولَهَزْته: بمعنى واحدٍ].
ولا تختلف بقية المعاجم عما سبق بدءا بـ"العين" للخليل، ومرورا بـ"لسان العرب" لابن منظور، ووصولا إلى "المعجم الوسيط" لمجمع اللغة العربية بالقاهرة.
(3)
هذا هو واقع المعاجم العربية، فماذا عن عقد الصلة بين المعنى العام للمادة وبين المعنى الذي اختاره فريق تعريب الفيسبوك؟
في سبيل ذلك دعنا نحدد ماذا يحدث في النكز في الفيسبوك، وكيف يحدث.
إن النكز هو اقتباس اسمك وتضمينه التعليق أو السياق الذي سيرد فيه، كما تقتبس الـ URL لينقلك إلى الصفحة أو المادة نقلا مباشرا مختصرا. ويؤدي هذا التضمين إلى ظهور المادة على يومياتك فكأنها غرست فيك غرسا، أو تؤدي إلى أن يرسل إليك الفيسبوك إشعارا بأن فلانا ذكرك فيجعلك هذا تستشعر الخصوصية فتسرع إلى التفاعل، ولا يكون كأي إشعار عام آخر حتى ولو كان عن التفاعل مع موضوعاتك.
ماذا حدث هنا؟
حدث أن شبه وصول الإشعار الخصوصي إليك أو زرعه في يومياتك بغرس شيء ممتد في شيء؛ فالشيء الممتد هو الإشعار الذي امتد من صديق أو مهتم ويومياتك هي الشيء الآخر الذي يغرس فيه الشيء الممتد، ثم حذف المشبه به وأتي بشيء من لوازمه وهو وجود الأمر على اليوميات أو في الإشعار- على سبيل الاستعارة المكنية الأصلية.
(4)
ويؤدي بنا السابق كله إلى الدعاء لفريق الفيسبوك اللغوي فيما صنعوه من إحياء كلمة عربية ليس في أذهان العرب وحدهم بل في أذهان العالم وآذانهم؛ فاللهم وفقهم إلى المزيد من الإحياء!