عذراء الوادي ( قصة قصيرة)
**
صوتها يجوب الوادي كلما اقتربت مناسبة فرح أو ترح في القرية . الكل من سكان القرية يسمع
صوتها إما زغردة مصحوبة بقهقهات أو بكاء وانتحاب . الكل يقول بأنها جنية تسكن الوادي الذي
طالما تعلق به أهل القرية المجاور لمساكنهم والذي أقيم به سد صغير لسقي الغلال قرب منبع
عذب تتوجه إليه نساء القرية كل صباح لملء دلاء الماء حيث يلتقين هناك ، منهن الجدات والأمهات
والفتيات لتبادل أطراف الحديث وكثيرا ما تراهن يتحدثن عن جنية الوادي وعن زغاريدها الموحية
بإقامة فرح أو مناسبة سعيدة أو عن بكائها ونحيبها المخيف.
النسوة والفتيات يعرفن طبيعة الصوت ،وما يتبعه من فرح أو ترح لكنهن يجهلن السر الذي تعرفه
الحاجة تركية .
ذات مرة وهن مزهوات في حفل زواج أحد شباب القرية ، اجتمعت الفتيات بالحاجة تركية فكل الفتيات
يضمرن لها حبا واحتراما كبيرين ، وبينما هن يتحدثن عن أفراح القرية وما سبقها من زغاريد منبعثة
من الوادي . أبت الحاجة تركية إلا أن تسرد عليهن القصة التي كانت تبكيها في كثير من الأحيان. أنها
قصة زينب الفتاة المهذبة الجميلة التي انتحرت بسبب حبها الجنوني لابن عمها عبد الهادي الذي قتل
غيلة وغدرا قبل موعد زفافهما بأسبوع .
كانت الحاجة تركية مسترسلة في سرد القصة على الفتيات وإذا بسعاد تقاطعها الحديث بسؤال
طالما حير الجميع عن سرّ الصوت الذي أصبح مصدر فرح أو شؤم في القرية..
سكتت الحاجة تركية هنيهة ، صحبتها تنهيدة تقطع الأنفاس ثم واصلت حديثها وعلامات الحزن
تبدو على وجهها المتجعد مخبرة سعاد وكل الفتيات عن سرّ الصوت الذي تعرف كنهه قائلة :إنه
صوت زينب التي أحبت القرية وأهلها وفرحت لفرحهم وحزنت لحزنهم وانتضرت موعد زفافها بشعق
كبير . أنه صوتها المنبعث من روحها الطيبة من عمق بئر الوادي الذي ألقت بنفسها به بعد دفن حبيبها
عبد الهادي وقد تمّ اخراجها منه بعد ثلاثة أيام من البحث المستمر . وأقيمت لها جنازة مهيبة ودفنت
بقبر مجاور لقبر حبيبها الذي قتل غدرا وغيلة .
لقد عرفت الفتيات سرّ الصوت وما يعقبه من فرح أو حزن وكلما سمعن الصوت قلن : هذا صوتها
إنها عذراء الوادي .
---
بقلم / تواتيت نصرالدين
التوقيع
لا يكفي أن تكون في النور لكي ترى بل ينبغي أن يكون في النور ما تراه