دراسة نقدية لقصيدة صرخة طفل عراقي للأستاذة عواطف عبداللطيف\سولاف هلال
تحية من القلب لأديبتنا الغالية عواطف عبد اللطيف ولصاحب الفكرة العبقرية الدكتور عدي شتات ولكل الأخوة والأخوات في نبعنا الجميل
من خلال قراءتي السابقة لقصيدة (صرخة طفل) وقراءتي الحالية لها أستطيع أن أقول وهذا ليس اكتشافا وإنما حقيقة يدركها الجميع أن الكاتبة تجيد تقمص الشخصية التي وقعت تحت تأثير حدث أوحالة ما وهذا ما يسهل عليها دعم الفكرة ورفدها بمشاعر حقيقية حتى لتبدو للقارئ بأنها صاحبة هذه التجربة أو تلك وقد قرأت لها نصا جسدت فيه معاناة إحدى صديقاتها التي أثنت هي ذاتها على قدرة كاتبتنا في التعبير عن حالة ربما عجزت هي عن تأطيرها بذلك الإطار الإبداعي المتقن .
وما دمنا نتحدث عن قصيدة (صرخة طفل) فلابد أن نتأمل صوت الطفل ووالده الشهيد .
لا....لا
تأخذوهْ
أبتي
حبيبي
اتركوهْ
من يربّيني
أنا عمري صغيرْ
ارحموني
ارحموهْ
هو للموت يسيرْ
تمكنت الشاعرة هنا من التلاحم مع الواقع الذي يعيشه هذا الطفل أو سواه في ظل الطائفية وتفشي الأحقاد وغياب القانون ، فنجد الطفل يستنجد بالمعتدين ويطلب الرحمة ممن خلت قلوبهم من الرحمة ويزداد المشهد إيلاما في هذه الجملة (ارحموني ارحموهْ
هو للموت يسيرْ ) فلنتخيل طفلا في السابعة من العمر يدرك تماما المصير الذي ينتظر والده على أيدي أولئك الأوغاد الذين سحبوا والده أمام عينيه كما سحبوا البراءة من قلبه الصغير.
وهنا يحاول الأب أن يطمئن صغيره وينفي عن نفسه تهمة الخيانة ويعده بالرجوع رغم أنه يعلم كما يعلم صغيره أنه هالك لا محال
لاتخفْ روحي سأرجعْ
لن أرى عينيكَ تدمعْ
لم أخنْ يوماً بلادي
عشت مختالا عليها
ولها في كل يوم سوف أركعْ
ياحبيبي
انت في قلبي أثيرْ
ثم تسترسل كاتبتنا فتجعل الصغير يصف المشهد القاسي الذي أفزعه وأقض مضجعه والمصير الذي آل إليه والده الحبيب
دفعوني
سحبوني
كتفوهْ
وبقيت اليوم أصرخْ :
قتلوهْ
ورموهْ
في المزابلْ
تحت أكوام الحصيرْ
ويتساءل هنا
ونسيتْ
كيف أقرأْ
كيف ألهو
مع صِحابي
كيف أضحكْ
كيف ألعبْ
بعد أن باعوا الضميرْ
حقا كيف سيواصل هذا الصغير حياته ؟ هل سيفكر بمستقبله ؟ هل سيتمكن من العيش كطفل لم تمتد له يد السوء ؟ بالطبع لا .. لأنه سيبقى سجين هذا المشهد طوال حياته .
وهنا تخرج الكاتبة من الخاص إلى العام
أنا من فوق أنيني
علموني
بسنيني السبعْ
كيف أفهمْ
كيف أصبحْ
رجلَ البيتِ الكبيرْ
وقد نجحت في تصوير حالة طفل في السابعة من العمر يطرح أسئلة أكبر من وعيه ، ويتأهب لحمل مسؤولية أكبر من سنه
تقول بعض الإحصائيات بأن عدد الأيتام يفوق الخمسة ملايين بينهم 500ألف طفل مشرد في الشوارع ، وهنالك أطفال بعمر الزهور تركوا مدارسهم وعملوا باجور زهيدة ليساعدوا عائلاتهم ومنهم من امتهن التسول وافترش الأرصفة والتحف بالسماء .
وتشير الإحصاءات إلى أن عدد الأطفال النازحين في سن الدراسة الابتدائية يبلغ نحو 220 ألف طفل لم يستطع ثلثهم مواصلة تعليمهم خلال عام 2007، فضلاً عن أن 760 ألف طفل لم يلتحقوا أصلاً بالمدارس الابتدائية، كما تعرض مئات الأطفال العراقيين للتحرش الجنسي والاغتصاب .
هذا هو العراق الجديد ...
وهنا تساؤلات أخرى
علموني
عندما أصحو على
صوتِ رشاشٍ ومدفعْ
كيف أكبُرْ
وأنا الطفل الصغيرْ
وبعد كل هذا تجعله يسأل كيف يكبر ليثأر لوالده ولكل الآباء الذين أزهقت أرواحهم تلك الأياد القذرة .
وفي الختام أقول للأستاذة عواطف أنها وفقت بهذا النص ولم تضل حروفها الطريق إلى قلوبنا وعقولنا وذائقتنا أيضا .