كِلابُ الحَيِّ
... وعلى الرغم مما أصابه من شديد أذاهم، وحلَّ به من ظلمهم وقهرهم، لم يهن عليه قطع رحمه، وكره كرهاً شديداً بناء جدار من القطيعة بينه وبين أهله وذويه، فأقبل عليهم يطرق أبوابهم واحداً واحداً، واستبشر خيراً من زيارته المفاجئة لهم بعد غيبة طويلة، لم تكن بالكافية لتنسيه الذي جرى، ولا بالشافية لتذهب ما حز في نفسه وأدماها، وحفر عميقاً في قلبه وأحرقه...
كان قد دعاهم في زمن رحل بعيدا إلى نهج سبيل الحق والرشاد، فلم يجيبوا دعوته ورفضوها، وبادروا إلى أذيته حانقين غير مقصرين وقد أخذتهم العزة بالإثم، وعندما ضاق بما يصنعون ويقترفون، عزم على مغادرتهم إلى حيث لا يعلمون، خاصة لما قاموا إليه ذات يوم يريدون به السُّوء، وكادوا أن يبطشوا به ليتخلصوا منه، وليخلو لهم وجه ما هم حريصون على التمسك به من الباطل والضلال...
لم يمكث في الحي أحد سواهم، وكذلك سيرتهم السيئة القبيحة لم ينهج جملتها وتفاصيلها إلا هم، فظلوا يتمادون في غيهم وعبثهم وطغيانهم، ويعيثون الفساد ويمكرون تحت جنح الظلام وفي واضحة النهار، حتى خلا وخلص لهم الحي دون باقي أهله...
ما إن رأوه حتى أنكروا معرفته ونهروه وهددوه، ثم لم يتوانوا في طرده من الحي ورميه بالحجارة، إلا الكلاب فقد أقرت بمعرفته وشهدت له بها، وأقبلت عليه مسرعة تحرك أذنابها، وقد عزمت بدورها على هجر الحيِّ وعدم العودة إليه أبداً...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي aghanime@hotmail.com