يتحدث الواقع المعكوس عن المرأة التي تتعاطى الدعارة بازدراء ناضج.
عندما تواجه الشقاء و شظف الحياة، تطلب من المجتمع أن يساعدها. بيد أنه يلتزم صمت الموتى. و عندما تغوص في متاهة البغاء، يكون نفس المجتمع المظلم الذي رفض مساندتها، في طليعة من يمارس الاقصاء في حقها.
لننصت قليلا إلى اعترافات الواقع و هو يصف الآثام القذرة المسكوت عنها. و لننصت أيضا إلى الافرازات السلوكية لتعاقب الليل و النهار، فكلنا نفهم مليا أن اشراق الشمس في منطقة من عالمنا يعني من بين ما يعنيه أن منطقة أخرى تغط في ظلام حالك.
فليعلم هذا المجتمع الذي يمارس معهن نزواته ليلا...
و يلعنهن نهارا.
فليعلم أن بائعات الهوى أشرف من زبنائهن
لا أنتمي طبعا إلى أتباع القراءة الموسومة ب " العمومية " إذ أن قضية بائعات الهوى أو فتيات الرصيف تنتمي الى النطاقين الاجتماعي و التربوي، ايلاء الدوافع و الأسباب الأهمية العليا في عملية تحديد الموقف التفاضلي من هذه الظاهرة العابرة للأكوان و الأزمان يتعارض مع مبدأ أساسي مؤداه أن الانسان يولد و يحيا نقيا و المؤثرات القادمة من المجتمع هي التي توجهه إلى مسارات أخرى.
مفهوم " بائعة الهوى " قد لا يشمل الباحثات عن الثراء أو المؤمنات ببيع الأجساد لتحقيق تطلعات مادية بحتة. و رغم الانتقاد الشديد الذي يوجه إلى هذا الصنف من النساء فإننا جميعا ندرك أن الانسان يكتسب " الانحراف " قبل أن يروج له.
بائعات الهوى المشمولات جوهريا برثاء ممارسات المجتمع التي استمزجت ببراعة ارضاء النزوة و اعتمار وجهين متناقضين تتحدث عنهن كبريات الأعمال الروائية ضمن تيار الأدب الواقعي الكلاسيكي ( البؤساء ...).
بائعات الهوى لسن أصنافا متعددة باستخدام مقياس الدافع فهو الفقر و الاقصاء في جميع الحالات، لكن يمكن أن نتوصل إلى تصنيف حسب مقياس النتيجة و حسب الاستعمالات الاجتماعية أو النفعية للثروات المكتسبة ، كمثال مبسط جدا، يمكن أن نرسم خط التمييز بين بائعة هوى تستخدم أرباحها لبناء دور أيتام، مدارس ، و بائعة هوى تستخدم أرباحها لأغراض شخصية حصرية.
قال الفنان الفرنسي جورج براسنس في أغنيته الرائعة " مرثية فتيات المتعة " ( la complainte des filles de joie) : " إنهن يتزوجن عشرين مرة خلال اليوم "، و قال الشاعر جاك بريفير على لسان المرأة : " أنا أحب، لكن هل هي مشكلتي إن كان من أحبه ليس نفس الشخص كل مرة ".
التوقيع
لا تأكلي الشمس...فما في حوزتي سوى كلمات و وردة ...هي لك