قلمي الحائر .....
في وقت تصدَّرت فيه أخبار الغزو الشاذ صحف الصباح و لم تترك للمساء غير الابتسامات الباهتة و الضحكات المنكسرة و لفائف التبغ المترنحة بين أفواه مدركة و أخرى غابت في متاهات عدم الإدراك .... ساد القرية سكون تام بعد ليلة مجهدة بكوابيس و لقطات كاذبة لانتصارات واهية ...
و كأنه النصر الكلاسيكي حين يرتدي حلته الجديدة حلة التمدن ...
في زمان مضى كنت أحيك قصصي من القصص التي كانت تتقاذفها الألسن في شكل سلسلة مترابطة من الثورات و الفارق بينها يكمن في اختلاف اللغة و الدين و عدم شرعية التمرد .. كانت حياكتي تصلح لأن يرتديها الوطن في لحظة تعرٍ ...
حين لا يجد معاطفه الصوفية و ( قشابية ) الأجداد الدافئة في عز البرد ... حين لا يجد من الأفواه الممتلئة ( حشيشا ) نفسا دافئا يلطف هفوة الشتاء القادم باكرا و كأنه يتنكر لتعاقب الفصول ....
كنت أستلهم من نشيد الأوطان لأكتب الشعر فكل دفقة شعورية يؤججها حنيني و حبي ( المفجوع ) لوطني و ترسخها خربشاتي ( اللاعشوائية ) على ورق حقيقي من شجر تغزل يوما ما به جسد شهيد ....
كنت أحفر في غابات شعوري علني أجد متكأ لحروفي المتدفقة و نفقا طويلا يحررني من جنون الكلمات ...
كنت أُعلِّق أشرعتي على أعواد الكبريت الهزيلة ... ( فقط ) ... لأجد روحي قد تأججت و حبست من أنفاسي أشدها حرارة لأبحر على وقع اعنف عاصفة غيرة على الوطن ..
كنت أجرد كتبي من أحرفها الغزيرة لأُوَّطن الكلمات اليتيمة ... لأن وطني كان قادرا على أن يحوي المزيد و المزيد من الصفحات المتراكمة تماما كما كان قلبي متسعا يضم ألف علبة تبغ تشتعل سيجارة واحدة و تسارع في الاحتراق لتخلف من رمادها رجلا آخر ( عفوا سيجارة أخري ) مستعدة للاحتراق لأجل الوطن ...
كنت أَعُد أنفاس جدتي لاُكَوِّن غيمة تسكب فيضها لي بتَأَنٍ شديد، تطربني كلما بكت .. لأن كل لحظة استشهاد كانت ترافقها زغاريد و بكاء ممزوج ....
و الآن أبحث في قبو قلبي المملوء بالثغرات و بالأنفاق الملتوية و بالمتاهات المظلمة فلا أكاد أستبين حتى طريق العودة بعدما لفَّنِي الدخان بسحابته القاسية ..
لا أكاد أبصر في ظل الركام و الغبار المتصاعد حقيقة الحروف المبعثرة دون انتظام ...
لا أكاد أشعر بتلك اللسعات القاتلة و لا بتلك الأشواك المزروعة بجسدي بتفنن شديد ... و كأني فقدت إحساسي تماما كما يفقد الشتاء رداءه البارد ليتعرى ... أمام لسعات الصيف و مداعبات الخريف و نسمة الربيع التي فقدت الكثير من حنانها ...
لا أكاد أرفع بصري المتهالك على أريكة الظلم و الجور ...
لا يستوطن سمعي غير تلك الأناشيد التي قررت أن تأخذ قيلولتها أمام منظر الدخان و الموت فتُضَيع لحنها و تتبعثر كلماتها و تغرق في دلال أنثوي ....
لم اعد أعرف حدودي و لا اتجاه القارات ...
لم اعد أفرق بين حروف اللغات ...
لم اعد أستطيع أن ألملم شَرْقِيَتِي بعدما تفتتت جغرافية العروبة .
أي فريق قد أستجير به اهو العربي ..... أم العربي .... ؟؟؟؟
ضاقت أمام نظري المسافات و اغرورقت الحروف بالدمع فلا أكاد اكتب كلمة حتى تغرق الصفحات في نحيب عاصف ... تختلط السطور ... فلا أكاد أفهم شيئا .... فقط تراءت لي معالم النزيف في لغتي العربية و الانشقاق في وطني ......... !!!!!!!!!!!!!!!! ليضيع قلمي بينهما ) ....
........................
( قشابية ) ( لباس تقليدي جزائري )