رد: القصص المشاركة في مسابقة عبدالرسول معله للقصة القصيرة
القصة رقم (11)
العيــد ..
العيد قريب .. و بهجته رائعة عندما تنعكس على الأطفال و أمهم ..
العيد سعيد لكن مصاريفه باهظة و أنا فقير .. لا أتذمر و لا أشكو، أحمد الله على الستر ، و أتحمّل الأيام و وطأتها بجـَلد صنعته السنون ..
لكن العيد قريب و المصاريف كثيرة للثياب و الحلويات ..
لم أكن أرغب يوما أن أكسر فرحة أبنائي و تنكسر عيونهم عند رؤية أقرانهم يخطرون في جديد الثياب ، أو تنكسر عيناي عندما أرى حزنهم حينها..
و لكنني فقير و ازداد فقري قسوة هذه السنة ببطالة استمرت شهورا .. فساءت الأحوال السيئة أكثر ..
كلّما اقترب العيد زاد حزني، فلم أتلذذ نكهة أيام رمضان و بركتها.. و في غمرة الأسى فكّرت أن أغلق الباب بعد رؤية الهلال أياما ، حتى لا يراني جاري قاسم فيفتخر بملابس أبنائه التي اشتراها من المحلات الراقية أو أرسلها إليه أقاربه من الخارج و لا يتباهى أبناؤه أمام أبنائي بأثوابهم البديعة و حلوياتهم التي لا نعرف أسماءها.. فكّرت ألا أخرج أيضا حتى لا أضطر لمحادثة جاري عمّار فيذيقني بلسانه اللاذع شواظا من البذاءة و الثِقل و هو يظن أنه يواسيني أو يشجعني على تحمل المصاعب كما يفعل ذلك دائما.. و لكني استسخفت الفكرة فالعيد قريب و بهجته رائعة .. ما أروع انعكاسها على وجوه الأطفال و أمهم ..
فكرت و فكرت طويلا .. و قلّبت الأمر على وجوهه .. ثم تحادثت مع الزوجة الصابرة دوما فوافقتني دون تردد ..
يوم العيد السعيد جاء .. جاء ببهجته الغامرة وعبقه المميز .. بأصوات المفرقعات هنا و هناك .. بضحكات الأطفال تتعالى في رقة و صفاء، بصوت المزامير يرتفع مشوّشا بعفوية بريئة .. بعبارات التهنئة متناثرة من الأفواه المبتسمة .. بالثياب والحلوى و الألعاب و النقود و لهو الصغار و أعباء الكبار..
خرج أبنائي إلى الشارع بثياب قديمة و لكن نظيفة .. يتنقلون من مكان إلى آخر لتهنئة جيراننا كبارا و صغارا بقلوب صادقة و أدب جمّ .. و إن نالوا " عيدية " احمرّت وجوههم خجلا ..
نظروا إلى ثياب أقرانهم بإعجاب و لكن نظروا أيضا إلى ثيابهم في ثقة و طمأنينة ..
زوجتي أخرجت علبة الحلويات الطيبة التي صنعتها بيديها فأتقنت التصرف فيها لتعيد إلى كل جارة في إنائها مقابل ما أرسلته إلينا ..
أما أنا فسِرت إلى جاري قاسم و هنأته بحميمية صادقة و استمعت بصبر إلى حكاياته المسترسلة عن أمواله الوفيرة و شكواه المصطنعة من تكلفة ملابس العيد التي اشتراها لأبنائه .. بعد انصرافي عنه مضيت إلى جاري عمّار و هنأته فظلّ يحدثني بكلام ثقيل جارح عن الصبر و تحمل الفقر و تحملت قسوة لسانه و سماجته فهذا عيد .. و هو سعيد .. و ما أجمل بهجته تنعكس على الوجوه من قلوب سعيدة ..