الصراحة والعلاقة الزوجية
وتأثيراتها على الأسرة
وجدان عبدالعزيز
كانت ذكرى في صباح كل يوم ذات وهج ونشاط وهي تستعير من الحدائق بهجتها ومن العصافير انطلاقها وتحلق مع أحلام جميلة وردية تبثها على زملائها في العمل ، وحينما تعود إلى عشها الجميل ( بيت الزوجية ) تملأ حتى الزوايا باضاءات ابتسامتها وتكون حتى الجدران مبتهجة بخفتها ورشاقتها ، فهي عُرفت بمرحها وجمال المحيا وكانت لها صديقة ودوده وجميلة المعشر أيضا ، سنين طويلة من العلاقة والصداقة استمرت من مراحل الدراسة إلى أن جمعهن القدر أن يكونا سوية في دائرة واحدة ، كانت كل واحدة لا تخفي عن الأخرى أي سر مهما كان شخصيا وخاصا وفي أحدى الصباحات ركزت مها بوجه صديقتها مليا قائلة : ما بك يا ذكرى وجهك مصفر وهناك حيرة بادية عليه ، أكيد أنا أعرفك أتكتمين شيئا عني ؟ تحسرت ذكرى وأخذت تتأمل وجه صديقتها ثم قالت : بصراحة أنا أعيش حالة الغضب المكبوت هذا لأني كنت أعيش مع زوجي حياة جميلة وممتعة ولكن في الآونة الأخيرة وجدت زوجي فجأة لا يرغبني ولا يرغب معاشرتي الا عندما يحل به الملل ، وأنا قلقة جدا من عدم استمرار زواجنا على هذه الشاكلة ، فنحن كنا نمارس رومانسية وعلاقة هادئة ...
استغربت مها وردت عليها : ليست هذه الحالة ميئوس منها !! ولا حل لها وأرجوك الإنصات لي فأنا قرأت الكثير وسمعت بأن هناك فترات تمر يفقد الزوجان خلالها أي تعامل لهما معا في الفراش ، وهذا يحدث بعد أفول بريق الرومانسية والعلاقة الودية التي كانت تهيمن في بداية زواجهما ، فلا تصابي بخيبة المشاعر وتعتبرين نفسك لم تعودي زوجة محبوبة وأنت الآن أكيد غاضبة من هذا الوضع ، فالخطأ الذي ترتكبينه ـ يا ذكرى ـ أنك تعتبرين زوجك قارئ لأفكارك ، أقول وأكشف لك عن سر وهو أن الكثير من النساء يعتبرن الجنس وسيلة للتعبير عن المودة والحب بينما الكثير من الرجال يعتبروه وسيلة لإزالة التوتر أو التغلب على الملل ، لذا توجب عليك أن تكوني صريحة ولا تتركي الغضب يغلي في داخلك ، فالنصيحة قولي لزوجك أنك بحاجة إلى الحب والحنان واللمسات الرقيقة ودعيه يعرف ما يمتعك في الفراش فهي خبرة يجب أن يتبادلاها الزوجان ليكونا على انسجام وإشباع جسدي وروحي ، فبالحديث الصريح المخلص يمكنكما حل مشكلة الفوارق التي تبعد واحدكما عن الآخر وأن المعضلات مهما كانت كبيرة تعود تصبح صغيرة وممكنة الحل فحينما يتوفر الوقت للإنصات إلى بعضكما البعض الآخر والى المشاركة في قضاياكما معا ، فهو كفيل بإظهار الإمكانيات الإنسانية العميقة الممتعة عبر مراحل متعددة للحياة الزوجية ، حتى أن هذه المراحل ستكون زواجا داخل زواجكما وأن كل مرحلة ستكون فرصة لتجديد علاقتكما على أسس جديدة ، فالمرحلة الأولى كما تعرفين تتميّز بالآمال الكبيرة والتوقعات العظيمة الممتزجة بقدر مماثل من القلق البالغ في توفير ما يرضي الشريك وبأي ثمن ومهما كلف الأمر . اذن تكون هذه المرحلة مبهجة وجميلة وإذا ما أستمر الزوجان بتثبيت هذه المرحلة كأساس للبناء فأنهم سيتغلبون على الأشياء المطمورة التي ستتكشف بين الزوجين وهي اختلافات فردية واجتماعية ممكن تلافيها والتخلص منها فمثلا هي تستيقظ مرحة بينما هو عكس هذا وهي ترى الجانب الأفضل للناس وهو الأسوأ ، هي نظامية وهو فوضوي ، وقد تمتد اللائحة أثناء العاطفة الجنسية ، فتتراجع عن بريقها السابق وعليه كما أسلفنا لتلافي هذه المعوقات لا بد من وضع أساس لعلاقة زوجية نامية متبادلة تخول كلا من الزوجين أن يعتمد على الآخر بصفته الشخص الذي يُحب أكثر من أي شيئ آخر في الحياة وبصفته الصديق الأفضل وعليه لابد من تسوية جميع القضايا بما فيها تثبيت العلاقة مع الأقارب والأهل على أساس الاحترام والمحبة مع البقاء قريبين كثنائي ، لكن مع الاحتفاظ بالشخصية المستقلة كي يتوفر للزواج الأساس الصلب ، فاستمرار المرحلة الأولى بهذا السياق يتكفل باستيعاب الفوارق الشخصية والتي تنجر على علاقة الزوجين بالشخص الثالث وهو الطفل ثمرة هذه العلاقة وهذه المرحلة ستولد لها مراحل كل واحدة لها خصوصيتها الخاصة التي على الزوجين الألتفات لمتغيراتها وضبط ميزان التصرف المتوازن والمبني على التفاهم والانسجام وهذا يجعل الحب يتوالد داخل حاضنة العلاقة ويتجدد الافتتان بين الزوجين ، فدائما عليهما أن يعيشا الحاضر فالماضي ذهب والمستقبل يطرز بداياته الحاضر ويوجه لعلاقة تبقى مثالية مادامت قد بنيت على علاقة الحب والتفاهم والصراحة .
فابتسمت ذكرى لحديث صديقتها وهزت رأسها : أجرب ما قلتيه وأحاول الاقتراب من زوجي أكثر من ذي قبل فأني لا شك من خلال حديثك قد ساهمت بجعل المسافة بيننا تكبر ، سأكون على قدر من الأناقة في الملبس وفي التصرف أنت صديقة وفية ونصوحة ، أنا أحترمك وسوف استثمر نصائحك المجربة كي أحافظ على حياتي الزوجية وإعادة بريقها السابق شكرا مها والآن عليّ الانصراف لإنجاز بعض المعاملات .