شد حزامه مثلما يفعل كلّ يوم ويخرج راجلاً على قدميه بحثاً عن مزاد تعلو فيه الأصوات المطالبة بسعر أعلى .
كانت الشمس للتو قد أشرقت والكون اكتسى بحمرة مائلة إلى الصفار .. والنسيم كان يملأ الجو رعباً .
سار باحثاً عن مكان يفرغ فيه شحنة ملأت قلبه حتّى أتعبته .
وجد خمسة عشر صائحاً .. بكل قوة .. فالصياح كان ممنوعاً .. في مدينته .. ومخالفاً لقوانينها فرح كثيراً ونسي كل الملاحظات التي تلقّاها حين غادر البي...ت من فم أمّه التي كلّت وملّت تنصحه بعدم الصياح كي لايصاب بأذى .
لم يكن لأصوات الذين يطلبون زيادة السعر .. هدير كما هو بالعادة فقد كانت أصوات الانفجارات من قبل عمال النوامير الذين ينتجون مايبيّض صورة مختار المدينة من مساحيق .
كان صوته واضحاً ... من يزيد .. من يزيد ... خاف عمال النوامير أن يطغى صوته على أصوات متفجراتهم ... فيحتاجون للعمل المضاعف في إنتاج المساحيق ..
رشّوا عليه من مسحوقهم ... رشّة لم تجد لها مستقراً ... إلا صدره
رأى طيوفاً متعددة أمام عينيه قبل أن يفوز هو بالمزاد هذه المرّة
رأى طيف أمه تقول له : لاتصيح
رأى طيف أبيه : يضربه بعد كل خبر يأتيه بأن ابنه أزعج أذن عمال النوامير .
رأى طيف أخيه الذي أصيب بنقص أكسجة دماغيّة ولم يلتفت إليه عمال النوامير يوماً يقول له : أحسنت فعلاً ... ويضحك من قلبه
رأى طيف أخته المصابة بنقص الأكسجة أيضاً تلوّح بيديها له .. مودّعة
رأى طيف أخته الوحيدة التي تستطيع النطق تقول له : إلى اللقاء .. أرسل إليّ من يأخذني إلى المزاد كما كنت تفعل .
رأى طيفي ... ابتسم وغادر آخذاً مارسى عليه من خلود ... في ذلك المزاد .