حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي غَزْوَةٍ غَزَوْنَاهَا: اسْتَكْثِرُوا مِنْ النِّعَالِ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَزَالُ رَاكِبًا مَا انْتَعَلَ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين كَانُوا فِي غَزَاة: (اِسْتَكْثِرُوا مِنْ النِّعَال؛ فَإِنَّ الرَّجُل لَا يَزَال رَاكِبًا مَا اِنْتَعَلَ)- مَعْنَاهُ أَنَّهُ شَبِيه بِالرَّاكِبِ فِي خِفَّة الْمَشَقَّة عَلَيْهِ, وَقِلَّة تَعَبه, وَسَلَامَة رِجْله مِمَّا يَعْرِض فِي الطَّرِيق مِنْ خُشُونَة وَشَوْك وَأَذَى وَنَحْو ذَلِكَ. وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب الِاسْتِظْهَار فِي السَّفَر بِالنِّعَالِ وَغَيْرهَا مِمَّا يَحْتَاج إِلَيْهِ الْمُسَافِر, وَاسْتِحْبَاب وَصِيَّة الْأَمِير أَصْحَابه بِذَلِكَ.
فتح الباري شرح صحيح البخاري
حَدِيث اِبْن عُمَر فِيمَا لَا يَلْبَس الْمُحْرِم, وَفِيهِ ذِكْر النَّعْلَيْنِ, قَدْ تَقَدَّمَ شَرْحه فِي كِتَاب الْحَجّ. وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث اِسْتِحْبَاب لُبْس النَّعْل, وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِم مِنْ حَدِيث جَابِر رَفَعَهُ "اِسْتَكْثِرُوا مِنْ النِّعَال فَإِنَّ الرَّجُل لَا يَزَال رَاكِبًا مَا اِنْتَعَلَ". أَيْ أَنَّهُ شَبِيه بِالرَّاكِبِ فِي خِفَّة الْمَشَقَّة وَقِلَّة التَّعَب وَسَلَامَة الرِّجْل مِنْ أَذَى الطَّرِيق, قَالَهُ النَّوَوِيّ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: هَذَا كَلَام بَلِيغ وَلَفْظ فَصِيح بِحَيْثُ لَا يُنْسَج عَلَى مِنْوَاله وَلَا يُؤْتَى بِمِثَالِهِ, وَهُوَ إِرْشَاد إِلَى الْمَصْلَحَة وَتَنْبِيه عَلَى مَا يُخَفِّف الْمَشَقَّة؛ فَإِنَّ الْحَافِي الْمُدِيم لِلْمَشْيِ يَلْقَى مِنْ الْآلَام وَالْمَشَقَّة بِالْعِثَارِ وَغَيْره مَا يَقْطَعهُ عَنْ الْمَشْي وَيَمْنَعهُ مِنْ الْوُصُول إِلَى مَقْصُوده كَالرَّاكِبِ فَلِذَلِكَ شُبِّهَ بِهِ.