اشْتِهاءُ اللّيْلِ يَتَدَفّقُ اللّيْلُ اشْتِهَاءْ، يَرْمِي حِجَارَةَ حُبِّهِ فِي الْمَاءِ تَخْدِشُ وِجْنَةَ الْقَمَرِ الْبَعِيدْ، تَتَدَحْرَجُ الْعَيْنَانِ فَوْقَ الْحُلْمِ خَلْفَهُمَا جِدَارٌ مِنْ هَبَاءْ… كَمْ تَكْذِبُ الْأحْلامُ تُشْرِقُ شَمْسُهَا لَيْلاً وَتَغْرُبُ فِي النّهَارْ. يَا لَيْلُ دَعْ عَنْكَ الْمُنَى، أعْلِنْ حِيَادَكَ عِنْدَ صَحْوِ الْأُمْنِيَاتْ، هَا قَدْ تَلاشَى عُمْرُنَا وَأتَى الْخَرِيفُ بِلاَ ثِمَارْ. يَا لَيْلُ هَلْ فِي الْعُمْرِ أعْمَارٌ سِوَاهْ؟ حَتَّى تُشَرِّدَ صُبْحَهُ وَتَخُطَّ بِالْفَوْضَى حَكَايَاهُ، يَمُرُّ مُكَابِراً مِنْ شَارِعٍ عَارٍ بلِاَ مُقَلٍ تُنَاغِيهَا الشّفَاهْ، يَجْثُو عَلَى قَدَمَيْ الزَّمَانْ لَمَّا بُكَاءُ الْقَلْبِ يُوجِعُ ظِلَّهُ… يَا لَيْلُ كَمْ تَنْسَابُ حَوْلَ ظِلاَلِكَ الْأوْهَامُ، تَسْرِقُ مِنْ ثَنَايَا الْعُمْرِ أقْمَاراً تَهَاوَتْ خَلْفَ سِرْدَابٍ وَنَامَتْ فِي الْعَرَاءْ. تَسْبِي النُّجُومَ بِلاَ مُبَالاَةٍ تُلَوِّن بِالْأسَى وَجْهَ السَّمَاءْ. تَنْأى الْغُيُومُ بِدَمْعِهَا عَنْ رَعْشَةِ الْخُطُوَاتِ لَمَّا إشْتِهَاءُ اللّيْلِ يُسْرِجُ خَيْلَهُ… يَا لَيْلُ كَمْ تَشْقَى خُطَاكَ تَغُوصُ فِي يَمِّ الْغِيَابْ، مَوْشُومَةً بِالْإشْتِهَاءِ تَزُفّهَا رِيحُ اللَّظَى نَحْوَ السَّرَابْ فِي صَدْرِكَ الْعَارِي الْمُغَطَّى باِلْجِرَاح ِ يُزَمْجِرُ الْبُرْكَانُ فِي صَمْتٍ وَنَارُ الْخَوْفِ تُذْكِيهَا الرِّيَاحْ. يَا أيُّهَا اللَّيْلُ الْمُجَلَّى بِالنِّدَاءِ، لَكَمْ يُعَرْبِدُ فِي خَلاَيَاكَ الْكَلامُ وَأظَافِرُ الْعَتْمَاتِ تَنْهَشُ لَحْمَكَ الظَّمْآنَ، مِنْ وَهَجِ الْعُيُونِ إلَى سُعَارٍ فِي الرُّضَابْ؟ هَلاَّ حَمَلْتَ صَدَاكَ عَنْ صَحْوِ النَّهَارْ، فَجَّرْتَ بَيْنَ أنَامِلِ الْأوْهَامِ أحْلاَماً تُسَامِرُهَا رُؤاكْ، مَا عَادَ فِي الْوِجْدَانِ شِبْرٌ تَسْتَكِينُ لَهُ خُطَاكْ، مَا عَادَ فِي مَنْفَى الْعُيُونِ مَدًى تَرَى فِيهِ مُنَاكْ، كُلُّ الْأمَاكِنِ تَرْتَدِي فِيكَ الْهَلاَكْ، حَتَّى رَمَادُ الْإشْتِهَاءِ ذَرَتْ أكُفُّ الْإغْتِرَابِ غُبَارَهُ، سَهْواً تَوَارَى فِي الظِّلاَلِ حُطَامُهُ، سَهْواً بَنَى الْجَدْبُ الْبَلِيغُ خِيَامَهُ، سَهْواً تَهَاوَى مِنْ سَمَاءِ الْعَاشِقِينَ زِمَامُهُ/ دُخَانُهُ…