لله درك أبا الطيب ، لله درك يا فارس السيف و القلم ، متهيبا ً أسطر لك كلماتي خاشعا ً أجثو في محراب ذكراك ، وجلة ٌ تشرد مني المفردات ، إذ كيف ترقى إلى مقامك ، أبا الطيب و أنت ... من تنام ملء عينيك عن شواردها .. و يسهر الخلق جراها و يختصم معذرة ً يا شاعر الضاد ، إذ تجاوزت قدري في خطابك و أنت من كحلت عيون الورى بمداد شعرك و خلدت في سفر الحياة بنات أفكارك ، وطرزت دنيا الأدب ببديع قوافيك . أيه ، أبا الطيب ، لقد مضى زمنك ، لقد مضى زمن الجرد التي مددت بين آذانها القنا ... وجاء زماننا نحن - أبناء القرن الحادي و العشرين - ، فها نحن نعيش في عالم ٍ حقق فيه العقل
البشري فيه إنجازات علمية و تقنية هائلة على كافة الصعد ، فسبحانك اللهم خير معلم ، سبحانك و أنت تعلم الإنسان ما لم يعلم ، تعاليت و تباركت رب العزة .
أجل ، أبا الطيب ... لقد أمسك إنساننا المعاصر ناصية التقنية و العلم ... تماما ً كما أمسكت أنت بناصية البنان و القوافي ...إننا أبناء عصر الإنفجار المعرفي الذي أضحى معلما ً
بارزا ً يسم حياتنا ، و ميدانا ً فسيحا ً تتبارى فيه أقطارنا ، إننا أبناء تقنية المعلوماتية ، و أنظمة الحوسبة و شبكات الإنترنت ... ، لقد غدا عالمنا ، أبا الطيب ، و بفضله أشبه بقرية ٍ صغيرة
مما يسر علىإنساننا و أزاح عن كاهلة عناء البحث و تجشم المشاق و وعثاء السفر في سبيل الوصول إليها.
فها ، هي أجهزة الحاسوب ، أبا الطيب ، تزين صالاتنا كما زينت الصوارم صهوات جيادكم .
فبمجرد مداعبة مفاتيح صغيرة صماء ينفتح العالم على مصراعيه أمام ناظري إنساننا ، و تراه ينهل من معين المعارف ما استساغ له و عذب ، يعقد الصفقات التجارية ، يستودعها أسراره الخاصة
، فهي الأهل و الصاحب حيث لا مستودع السر ذائع ٌ لديها و لا الجاني بما جر ّ يخذل ، يختار حتى شريكة عمره و حياته عبرها ، أتصدق هذا ، أبا الطيب ، كل هذا و أكثر من هذا غدا في متناول
إنساننا و هو مسترخ على اريكته الوثيرة ، يرشف فنجان قهوته ، و ينفث دخان لفافته ، لكن ...... أسئلة ٌ كثيرة تزحم في ذاكرتي ، أبا الطيب ، و تعبر أفق خيالي ، وتتهادى حائرة ً فوق شفاهي
فرغم هذا الترف المعرفي الذي يتفيأتحت ضلاله إنساننا ، ألم ترسخ نظم المعلوماتية و الحوسبة دعائم الفردية و روح الأنا في نفوسنا ؟ أولم تفقدنا متعة البحث الجاد و فرحة بلوغ مرامينا ؟
أو ليس من استخدامها أضرار ٌ صحية ٌ قاتلة على أجسامنا ؟ ألا خوف ٌ أن تطفئ نور أعيننا ؟ أولم تئد العواطف السامية بين جوانحنا ؟ ألم تحث التراب خانقة ً صفو الألفة و دفء المشاعر النبيلة في
صدورنا ؟ ألم توه ، أبا الطيب عرى الروابط الإجتماعية من بين ظهرانينا ؟؟؟ صحيح ٌ انها أسبغت علينا الترف المعرفي و الرقي الفكري . لكننا .... و في القادم من الأيام ، سنصبو أن تتلمس أيدينا صفحات الكتاب ، تقلبها أناملنا بكل الشوق و الحنان .... نوسدها صدورنا عند الكرى ، و ألستنا تلهج مرددة ً أصداء صوتك .. و أنت تقول : أعز مكان ٍ في الدنا سرج سابح ٍ // و خير جليس في الزمان كتاب .
و أنت ، أبا الطيب ، عفوا ً إن أثقلت مسمعيك بأخبار عالمنا . فلا ادري لماذا اخترتك ، أنت بالذات لأبثك خواطري ؟؟ أهو العشق و الحب ؟ أم هو الإكبار و الإعجاب ؟ أم هو كل ذلك و غير ذلك ؟
فسلام ٌ عليك ، أبا الطيب ، سلام ٌ على التراب الذي ضم رفاتك سلام ٌ على دنيا القوافي التي كنت و ما زلت فارسها ، الذي ما ترجل عن صهواتها ... سلام ٌ على ... الخيل و الليل و البيداءتعرفني
و السيف و الرمح و القرطاس و القلم .
التوقيع
أحنُّ إلى خبز أمي
و قهوة أمي .. و لمسة أمي
و تكبر فيّأ الطفولة .. يوماً على صدر يوم
و أعشق عمري .. لأني إذا مت ُ أخجل ُ من
دمع ... أمي ...