يتسع المدى حين أمارس حقي في صناعة الحلم ،باندفاع خارق أحطم اللاممكن لأعبر إلى الضفة الأخرى ..
ينبسط الأثير .. يحملني على راحتيه في رحلة اشتهائي اللامتناهي.
ينتفض الوجود.. تتقاطر الحبات النورانية لتغطي المطلق على اتساعه .
بخفة أثب لكأنني الهواء الذي يمس جبيني .
على حافة الفردوس أقف، يحاصرني اليقين من كل اتجاه .. الحياة تبدأ من هنا .
أخطو على العشب المندى بقطرات العنبر الفواح ،يغمرني الشعاع المتكسر الذي ينبعث من الهياكل الفضية المتمايلة ذات اليمين وذات الشمال بلا انقطاع، إنها ترقص على أنغام الكون السرمدية.
أنضم إلى الجمع السامي بلا استئذان .. برشاقة أرقص على ذات الايقاع.. تغمرني البهجة حينما أسلم وجهي لقطرات الماء البلورية المتساقطة من السحب الشفافة .
بنظرات طليقة أرنو إلى المدى الشاسع .. الأرض الخضراء تعانق خط الأفق بتناغم ساحر ، الأجساد لا تنفك تتمايل بخشوع وكأنها تؤدي فريضة جماعية.
يقبل البدر النوري.. البدر النوري يقبل .. يرقص الكون على لحن احتفائي به .. من أجله تجاوزت كل الحدود ترافقني عناية السماء لبلوغ ضفته المشتهاة.
تحت عرائش العنب المخملية عانق النور دهشتي ،قال وهو يمسح من عيني لآلئ نشوتي :
ــ حدثيني عن الظلمة التي تقيمين فيها .. عن وجه اللحظة المكفهر التي أعلنتُ بها انسحابي.
ــ ألا تعرف ؟
ــ بل أعرف .. أنا لم أغادر شطآن وجدي وينابيع شجوني ،وإذا ما انسحبت قسرا فهذا لا يعني أني تنازلت عن الشعاع الفيروزي الذي يطرز صدر أحلامي.
ــ هل تعني ...؟
ــ نعم أعني .. فأنا الشريك اللصيق بجنة خلدي، هل تذكرين كم مرة ناديتني واستدعيتني ، ألم تشعري بوجودي ؟
ــ بل شعرت .. ولكن
ــ خانك اليقين !
ــ ربما
ــ تذكري كم مرة عانقتك ، كم مرة انتشلتك من بحر الحزن الذي تغرقين نفسك فيه ،وكنت تظنين أنه ليس إلا حلما .
ــ نعم .. كثير، كثير
ــ لم يكن حلما !
ينبسط الأثير .. ينكمش فرحي .. يده المعطرة بالمسك تمتد لتلقي حجرا فيروزيا في باطن كفي وتغلق عليها بحنو أصابعي .
ينطلق ذات الأثير الذي رفعني وجمح بي إلى الأعالي .. ليعيدني إلى حيث أتيت .
يضيق المدى.. يكفهر الوجود.. أسئلة لا أكترث بها تتوالى .. يرتجف قلبي بعنف قبل أن أفتح كفي التي تحتضن فيروزته المقدسة .