كان ياما كان في قديم الزمان وسالف العصر والاوان .امراة تعيش وطفلها في كوخ صغير وسط غابة كثيفة الاشجار،لا تعيش فيها إلاّ الوحوش الضارية ،غذاؤهما ما جادت به الطبيعة،وشرابهما من غدير على بعد أميال من كوخهما وقد تعودا على هذه الحياة بوحشيتها وبساطتها.وأخذالطفل يكبر وينمو إلى أن صار شابا« سبحان الخالق»وكأنّه النور بعينه أو أنّ الطبيعة عكست ألوانها على صورته.
عينان زرقوان زرقة السماء الصافية والشعر الاسود الفاحم وكأنّ الليل ترك جزءا منه في عز النهار.
أمّا الام فقد أذهب الزمان والحزن ذاك النور المشّع وأخفى جمالها الفتان ولكن من تأمل فيه ا جيدا يدرك كم كانت جميلة .ويقول المثل الشعبييروح الزين ويبقى مراسمو).
وكانت كلما أحسّت بنضج ابنها ازداد قلقها وخوفها من أن يسألها يوما عن إنعزالهما عن الناس ووجودهما بهذه الغابة الموحشة.
لم يا ترى كانت قلقة؟ ألان إبنها كبر ولازال بنفس المكان؟أم هل كانت تودّ له حياةأسهل؟او ربما هي قلقة خوفا من أن تفارق الحياة وتخلّفه وحيدا.أسئلةة كثيرة لا يعرف الاجابة عنها غيرها.
أما الشاب فكان كل صباح يقصد ربوة عالية تطل على الغدير،يفكر ويسأل ويتأمل علّه يجد جوابا لافكاره وهواجسه.لقد اثقلت هذه الاسئلة رأسه الصغيرفأراد ان يضع لها حدا.كيف لامراة وحيدة مات زوجها أن تعيش في هذه الغابة وقد تقسو على أشجع الشجعان .اسئلة خدرته و انسته مرور الوقت ليعود الى امه محملا بما طاب ولذ من الاكل.
انتظرت الام عودته بفارغ الصبر ،فهي لم تعهده يطيل البقاء خارجا،فجالت بخاطرهاهواجس وأفكار أيقظت فيها مشاعر الام. وبينما هي بين أخذ ورد لمحته من بعيد فهدأ بالها وارتاحت نفسها .
دخل الشاب الكوخ وهو على غير عادته من البشر والنور.واطرق هنيهة ثم قال:من انا؟
تغير لون الام وبدت عليها علامة الذعر والخوف.فصمتت حينا ثم قالت:انت بني وحبيبي...وانت كل ما أملك في هذه الدنيا....ودون أن تكمل قاطعها قائلا:سألتك من أنا؟
فأعادت الام نفس الجواب وان تغيرت ألفاظه:انت طفلي الوحيد....ودون ان تكمل اوقفها ونبرة الغضب تملأ المكان.الشاب:قلت من انا؟ومن انت؟
المراة: انا أمّك...الشاب :أعرف ولكن من أهلك ؟ومن أهلي؟
أسئلة عديدة جوابها واحد.تلعثمت الام في الردّ ولكنها أدركت انه لا سبيل بعد اليوم لإخفاء هذا السّر
فالطفل لم يعد طفلا بل صار شابا ذكيا وفطنا.
أخذت الام قرار إخباره واجلسته بجوارها وراحت تروي قصة حياتها وكيف وصلت الى هذه الغابة الموحشة.
كنت وحيدة اهلي،اعيش في قصركبير،به من الخدم والحشم ما يعجز اللسان عن العد.وقد فقدت امي
وانا طفلة في السادسة من عمري.اضطر والدي للزواج من امراة اعتقدها طيبة القلب، و اما ثانية لي وكانت امامه تتصرف كالملاك ،وحين يغادر تنقلب الى شيطان،لا اسمع منها الا الكلام القبيح و المعاملة السيئة .وحين اصبحت شابة خرجت من القصر واختلطت بالناس فاحبوني.
اما الملكة الشريرة فازدادت غيرتها مني وازدادت معهاقسوتها علي،فهددت وتوعدت.
ومرة وبالصدفة سمعتها تتحدث الى خادمها الخاص عن والدي،لم اكن اقصد التطفل ولكن كان الحديث عن والدي قرة عيني.فسمعتها تقول له لو اتخذ من ابنته ملكة لقتلته.وكنت قد سمعت ان والدي سيجعل مني ملكة.فما كان مني الا ان قررت الرحيل ليسلم والدي.ومنذ ذلك الحين لم اسمع عنه خبرا.
الشاب:وكيف وصلت الى هذه الغابة؟
المراة:قصدت هذه الغابة الموحشة حتى لا يعثر علي احد.وبعد ايام وانا ابحث عن مصدر الماء صادفت فارسا قسى عليه الزمان مثلي، ففر الى الخلوة والعزلة ،ومنذ ذلك الحين عشنا على الحلو والمر،وكانت سعادتنا العظمى حين جئت الى الدنيا وبعد سنوات من مولدك مرض مرضا شديدا وفارق الحياة تاركا ايانا .وهكذا يا بني اشتريت حياة والدي بشقائي.واحمد الله واشكره على وجودك معي.
فكر الشاب طويلا ثم قرر الذهاب الى المدينة لتقصي خبر الملك والملكة الشريرة.
حاولت الام منعه خوفا عليه وعلى ابيها ولكن الفتى قرر وشد الرحال.وهو في طريقه حمل معه نباتا
عرف انه يعيد الشباب لذوي النفوس الطيبة الطاهرة التي لا تضمر سوء.
تسامع الناس بخبر النبتة النادرة الوجود ولا يحصل عليها إلاّ الشجاع من غابة الأسود.
ووصل خبر الشاب الى الملكة الشريرة والتي استدعته في الحال دون أن تسمع الجزء الثاني من الوصفة.وأمّا الملك فكان طريح الفراش،لم تعرف البسمة طريقها اليه مذ رحلت ابنته الوحيدة.
وما هي إلاّ أيام حتى فعلت الوصفة عملها،وأصبحت الملكة أبشع مخلوق على الارض،فاختبات في حجرتها.طال غيابها على الملك فبعث في طلبها،واذا الشاب يدخل عليه في حجرته. انتصب الملك جيدا وحملق في الشاب و قال له:تذكرني بعزيز فقدته.
فقال الشاب:أليست ابنتك الوحيدة؟ طار الملك فرحا وعانق الشاب الذي كان صورة طبق الاصل لأمه.
وبعث الملك وراء ابنته والتي سرت بلقاء والدها وبسلامة إبنها.
وهكذا عاشوا حياة كريمة انستهم أيّام الاحزان والفراق.اما الملكة الشريرة ماتت قهرا وحزنا ،بعدما صارت الام ملكة في عز شبابها وابنها إلى جانبها يساندها بفطنته وحكمته ،ومات الملك بعد أن تحقق حلمه في إيجاد ابنته الوحيدة.