إضاءة على رواية ليل علي بابا الحزين
كنتُ قد أقسمتُ على قلبي أن لا أقرأ روايةً عراقية لمدة شهرين بعد أن آلمتني رواية (قبل اكتمال القرن)، وإنْ حدث واشتقتُ لقراءةِ واحدة من الرّوايات العراقية ؛ فقطعا سأختار رواية ذات سماء نقية من روائح بارود الحروب ، وذات حدائق لا يشتكي وردها من دموع حبيبة ودّعت حبيبها عند المغيب واختفى في غيابة مملكة المدافع وقنابل التّنوير ...
لكن ماحدث أنّ رواية (ليل علي بابا الحزين) للرّوائي الكبير عبد الخالق الرّكابي قد داهمتني في الأسبوع الأوّل من القسم ، فقد جاء بها زوجي قائلا : ها قد وصلت رواية صديقنا الكبير..
إذن لقد وصلت الرّواية بعد طول انتظار لها .
قلّبتُ قلبي علّه يجد لي منفذا يحلني من قسمي ؛ فقاسمني على قراءة الرّواية قائلا:
" اقرئيها ؛ فهي كلمات الوطن المضرّج بأعراس الدّم"..
فطفقتُ أقرؤها وأنا ألمحُ الليلَ ساطعا بين الحروف ؛ ليل السّواد الطّويل الذي أحبّ السّياب ظلامه مادام محتضنا العراق !!
هذا الليلُ الذي زحف بغتة إلى مدينة الأسلاف وأطمسَها بصمته الموحش، وركود شمسها الكئيب ، بل وأغرقها بطوفان لم يكن بحسبان (السّيّد نور) ؛ فلقد غاب طوفان الدّم عن نبوءاته فلم يدونها في راووقه ، ولم يتمكن أبناؤه ولا أحفاده من سبر أغوار المذنبات التي تعاقبت في سمائهم ، فهم لم يشيروا إلى مذّنب آت ٍ لو مرّ بغتة في سماء العراق فسيعيده خرابا إلى أول حجرٍ في " قرية الهشيمة "، وسيملأ الغبار حدقات النّهار ، وسيهجر كل إلفٍ إلفهُ تجرّهُ أغلال ضغينة تراكمت في القلوب بلا سبب يقنع ماتبقى من عقلاء سلالة "الشّيخ مطلق" .
فليلُ هذه الرّواية أسفر عن أن صفة الّدناءة التي ميزت (فزع )وابنه (هدّاد) - اللذين امتلأ قلبي مقتا لهما لتعاملهما مع المحتل العثماني في روايتي (قبل أن يحلق الباشق والراووق )- تعدّ صفة نبيلة لو قورنت بالذين اغتصبوا كهرمانة ، وجعلوا جسد بغداد مشاعا لمجنزرات المارينز التي تعاقبت على شوارعها كحفنة من الرّعاع ..
وأخيرا لاأدري لماذا يتملكني هاجسٌ بأنّ ليل هذه الرّواية (الحزين ) هو النّبوءة التي بدأ الرّكابي بتدوينها في هوامش الرّاووق من حيث انتهى (ذاكر القيّم) وحتى يومنا هذا.
ملاحظة : الأسماء التي بين الأقواس هي شخصيات وأمكنة في ثلاثية عبد الخالق الركابي ( الراووق وقبل أن يحلق الباشق وسابع أيام الخلق )التي أضاف لها الجزء الرابع مؤخرا بعنوان ليل علي بابا الحزين
التوقيع
ممن اعود ؟ وممن أشتري زمني ؟ = بحفنة من تراب الشعر ياورق؟