للأستاذ توفيق الخطيب
الشاعر عبد الرسول معلة
فاجأتني مرتين أولاهما بهذا الشكل الجديد المبتكر للقصيدة حيث تراوحت مابين الشعر العمودي وشعر التفعيلة ,
لقد نجحت في إيجاد التوازن المطلوب بين الحفاظ على قافية النون في نهاية كل مقطع وبين تغيير القافية داخل
المقطع الواحد والإنتهاء أخيرا بثلاث قواف الدال والعين والكاف , مع الحفاظ على التناسق بين عدد التفعيلات
في كل بيتين وهذا أمر لايجيده إلا الشعراء الموهوبون بينما يضيع فيه من لايملكون الموهبة والخبرة . وثانيهما
عندما جعلتها حوارية صعبة على الشاعر جميلة سهلة للمتلقي .
عادة ماتعترض الشعراء الذين يكتبون الحواريات الشعرية مشكلة المباشرة في النص إذ أن الشعر يكره المباشرة
ويحب التلميح أو تحويل النص الحواري إلى نص شعري وذلك بمزج الأحاسيس والعواطف المصاحبة للشاعر أثناء
الحوار مع الحوار نفسه .
أنا أرى أنك قد نجحت في ذلك إلى حد كبير في هذا النص.
تقول لك بعد سؤالك لها من أي ذنب تهربين
(( سأعودُ يا روحي إليكْ ))
(( هيَ نـُزْهة ٌ للروحِ لا أُخـْفي عليكْ ))
وهذا جواب مباشر ولكن ردك المفعم بالأحاسيس أبعد مايكون عن المباشرة
وتثورُ فيَّ طبيعة ُالوحشِ اللعينْ
فصَببْتُ كلَّ صواعقي
ونفخـْتُ كلَّ حرائقي
ودموعـُها عبرتْ معَ الصوتِ الحزينْ
ثم يأتي عتابها العذب
(( عذبْتني كمْ مرةٍ فيها تغارْ ))
(( من أنْ يحدّثني الكبارْ ))
(( أوْ أنْ يقبـّلني الصغارْ ))
ومرة أخرى تدهشنا بردك الساحر الغاضب القاسي
تتألـّمينَ وتصرخينْ ؟
هلْ هذه الدمعاتُ تجعلـُني ألينْ
قلبي كثـَلجِ القـُطـْب رَصّتـْهُ السنينْ
دَمّرْتِ فـيَّ صَبابَتي
وركلـْتِ كلَّ محبـّتي
ماتتْ به كلُّ العواطفِ واسْتباحتْهُ الشرورْ
فعلام يغضبُ أو يثورْ
إني دفنـْتُ خنادقي
وثقبْتُ كلَّ زوارقي
صيّرْتـِني رَقـْطاءَ تحذرُها الطيورْ
قرّرْتُ أنْ أُنهي العذابَ
فلا عِتابَ ولا سِبابْ
وحدي سأبقى أنشدُ اللحْنَ الحزينْ
ويمرُّ شهْرٌ والعواصِفُ لا تلينْ
أمْسَتْ حِكايتـُنا طـُيوفاً مـُزْعجات ٍلا تبينْ
وبقلبي المَجْروحِ يَرْتجفُ الأنينْ
مَـزّقـْتُ أوْراقي وكُلَّ دفاتري
وخنقـْتُ كلَّ مشاعري
كيْ لا أبوحَ خِلالـَها السِّرَّ الدَفينْ
ثم تقتبس قولها وهذه لفتة ساحرة في النص
(( أنا في انتظارِكَ ياأمير))
((عيّنْ بنـَفسِكَ مَوْعِدي))
وهنا تصف حالتك مرتين أولاهما عندما صدقتها
فوجدْتُ قلبي كادَ من فرح ٍيطيرْ
كم كان يسعدني الحنين؟
والآن وأنت لاتلدغ من جحر مرتين
هلْ كنتِ فيها تـَهْزئينْ؟
أنا ما أَتـَيْتـُكِ راكِعاً أوْ أسْتكينْ
عن أيِّ عُذر ٍتـَبْحَثينْ
وتمُرُّ مُسْرعَة ًبنا كُلُّ السنينْ
ونسِيتُ آلامي وأحْلامَ الشبابْ
ما عُدْتُ أركـُضُ للسَرابْ
ما عاوَدَ القلبَ الحنين
وتستمر مراضاتها العذبة لك ولكن هذه المرة بصور شعرية جميلة بعيدة عن المباشرة
((لا ترْتعـِبْ لا تنزعِجْ ))
((خـُذني لِجَنـّتـِكَ الجَميلةِ أوْ لنارِكْ))
(( أطفئْ حياتي في جـِوارِكْ ))
(( وبمـُدْيةٍ عمياءَ تشحَذُ في شرارِكْ))
(( إني رَضيْتُ بما تريدُ فخـُذ ْبثاركْ))
وفي خضم ردك الغاضب تشعر بشيء في داخلك إنه الحب الذي يغفر كل شيء للحبيبة
وسمعْتُ صَوْتاً من بَعيدْ
هلْ قـُدَّ قلبُكَ من حَديدْ؟
أحْسَسْتُ نـَغـْزاً في الضـُلوعْ
ومعذّباً قد راحَ من أَلَمٍ يلوعْ
وعلى الشفاهِ اليابساتِ تضوعُ قـَطـْراتُ الندى
شكـّي اللَعينُ تـَبَدّدا
من دونِ أنْ أدْري هَمَسْتُ مُرَدِّدا
أنا في انتظاركِ ها هـُنا
هيّا املئي قدحي بحُبِّكِ أو بنارِكْ
أنا في انتظارِكْ
نعم ياصديقي إنها قصيدة متفوقة في الشكل والمضمون تعكس قدرتك الشعرية وعلو كعبك في هذا الفن الجميل ,
أنت شاعر من الشعراء القلائل بين آلاف الناظمين .
أرجو أن تعذرني إذا لم أستطع التعليق على كل قصائدك فأنا أكتب في عدد من المنتديات إضافة إلى أعمالي الخاصة
وبالكاد أجد الوقت ولكنني بالتأكيد أقرأ كل قصائدك وقصائد أصدقائي الشعراء المبدعين في هذا الملتقى .
مع تحياتي
توفيق الخطيب