هذه مجموعةٌ من الخرزات ِالتي ارتأيتُ أن أرصفَها بخيط رفيعٍ ..لا يمكن أن تراهُ سوى القلوبِ الشفيفة
التي ميّزها الله سبحانه تعالى-عن غيرِها - برحمتِها ..وبرها..وهفيفِ بياضِها ..ورفّ أحاسيسها المرهفة..
وهْي تسمُو بها أفقا بين ذؤاباتٍ ..لا تعرف غير النقاء ،لتبقى ممتطيةً صهوات خيوطِها الرفيعة
التي لا يمكن أن تنوءَ بأحمالها مهما ثقـُـلتْ..
ولقد اخترتُها مختلفةَ الألوان كاختلاف تفاصيلِ أيامِنا التي يستحيلُ أن يثبتَ وجهُها على لونٍ واحدٍ
لتهيمَ بها تعرُّجاتها كما تهيمُ مياهُ الأنهار بأوراقِ الشجر..وهْيَ تبعثرُها أنّى تشاء ..
مثلما تبعثرُنا صفعاتُ الحياة ِدونَ إرادةٍ منا ..ليجمع َشتاتنا خيطُ الرضا المثقلِ بأحجارِ المبادىء والقيم ..
كما أنني أردتُها أن تكون كالمعدنِ الخام الذي نأخذُه ُمن الطبيعةِ كما هو ..قبل أن يُجددَ ملامِحَه تفننُ اللهبِ
لأن الأشياءَ الأصلية إذا ما أُعيدَ صقلها - ورغم كونها ستصيرَ أكثرَ بريقًا-
إلا أنها ستفقدُ أشياءً كثيرةً لا تـُقدّر بثمن..
أهمها رائحة الترابِ التي لا حوانت تبيعُها ..ولا أفق يمطرُها..
ففتشْ بين نبضاتكَ أيها العابرُ من هنا لتجدَ ما يُكملُ هذه الخرزات بين حناياك ..
لأن الروحَ المُتأملة لا تنزوي بعيدا عن عيونِ البشر ..ولا تهيم ُبالملكوتِ الأعلى دونَ جوازِ سفرٍ ..
إلا لتعود َمحملةً بما تسْكبُه على صمتِ الورقِ مُرصعًا بلآلىء الحكمةِ ..معتقا بأنفاسِ الضياء..
وكل ما ركّبتُه بخيطي الرفيع هذا ..ما هو إلا نافذة قد يَطلُّ منها الآخرونَ على عوالمَ تُوضئُها طِلالُ الصدقِ والوفاءِ..
ولا شكّ أنها قد كانت بين أيديهمْ يوما – ظلا ظليلا ..وهمسا جميلا- وما انتبهُوا لها إلا بعدما انسَكبتْ
من بين أصابعهم ماءً رقراقا أنّى له أن يعود - مجددا - وقد تسرّب بين شقوقِ المساءاتِ الغافية ِ..قطرة ً..فأخرى
فكم نحنُ بحاجة ٍماسةٍ للحظةِ وقوفٍ مع ذواتِنا ..علـّنا نُعيد لها ما انسفحَ منها في هدوءٍ دون أن تنتبهَ
..ونمُد اليدَ لتنثرَه وردا نديًّا ..كم ستحتاجُه أغصانُنا الجرداء إذا ما استقامتْ وحيدةً في وجهِ الخريف
وقد أعياها بردُ المحطاتِ ..وفتحُ حقائب الذكرى التي قلَّـما تجد مفاتيحَها بين طيّ محطة ..وترقب أخْرى