كتابا اللغة العربية بالصف الأول الثانوي يبحران بعيدًا عن القرآن والحديث
(1)
إنْ عُدْنا بالذاكرة إلى سَنة 2012م وقت احتدام منافسات الانتخابات الرئاسية، فسنَسمَع تصريحًا للفريق أحمد شفيق، المرشَّح الخاسر في انتخابات رئاسة الجمهورية، في أحد لقاءاته التلفازية مع مذيع نَصراني، سأله عن النصوص القرآنية في كتب اللغة العربية مستنكرًا دراسة النصارى إياها - قال فيه: إما أن نضع سطرًا من الإنجيل بجانب آية من القرآن، وإما أن نحذفهما معًا.
ما هذا الكلام؟!
هذا كلام يقال عنه: إنه سياسي؛ أي: كلام يَستهدِف جذْب أصوات، ولا يُمثِّل قناعة شخصية لمن يقوله، إنما يُمثِّل هروبًا أو حلاًّ لأزمة طارئة أو ... إلخ.
هكذا كنت أظنه... فماذا حدث؟
حدث أن صار هذا الكلام السياسي واقعًا يعيشه طالب الصف الأول الثانوي في مُقرَّر اللغة العربية الذي تغيَّر هذا العام.
كيف؟
خلا كتابا اللغة العربية من النصوص القرآنية والحديثية فيما عدا نصًّا قرآنيًّا واحدًا في الفصل الدراسي الأول عُنوانه: "من أجل حياة كريمة".
ولنا أن نقف وقفة تربويَّة مع كلام المذيع النصراني؛ لنرى أكلامه صحيح أم لا؟
إننا إن فعلْنا ذلك، فسنجد أن كلامَه على دراسة النصراني للقرآن والحديث لبناء اللغة ليس صحيحًا.
لماذا؟
لأن دراسة التلميذ النصراني القرآن والحديث ليست دراسة عقيدة تُحوِّله عن عقيدته، فينبغي أن تُراعى في السياسة التعليمية، إنما هي دراسة لغة يُمثِّل القرآنُ والحديث مصدرين مهمين لها، كما يدرس المسلم في أقسام اللغات الأوروبية اللغات والحضارات الأوروبية وآدابها.
إذًا، ليس دراسة التلميذ النصراني القرآن والحديث في كتب اللغة العربية تمييزًا عنصريًّا ولا إكراهًا، إنما هو تأسيس له في اللغة التي يتحدَّث بها، والتي تُمثِّل لغة وطنه.
وعلى الرغم من ذلك، فقد جاء كتاب الفصل الأول الدراسي في 102 صفحة، موزَّعة على وحدات ثلاث، عناوينها: هيا نتواصل، والتسامح والسلام، والعِلم والأخلاق، واحتوت كل وحدة أربعة دروس، فكان عدد الدروس اثني عشر درسًا، لم يأتِ منها إلا نصٌّ قرآني واحد، وخلا الكتاب من النص الحديثي، وجاء كتاب الفصل الدراسي الآخر في 97 صفحة، موزَّعة على وحدات ثلاث أيضًا، هي: بناء الوطن، والعمل والتقدم، والثورة والحرية، واحتوت كل وحدة أربعة دروس، بمجموع اثني عشر درسًا، لم يكن منها ولا بينها نصٌّ قرآنيٌّ أو نصٌّ حديثيٌّ واحد.
ماذا يعني ذلك؟
يعني أن الطالب يدرس ثمانيةَ نصوص في الفصل الدراسي الأول؛ فكل وحدة تحتوي نصين: أولهما شعري، وآخرهما نثري، وثمانية أُخَر في الفصل الدراسي الآخر؛ فكل وحدة تحتوي نصين: أولهما شعري، وآخرهما نثري - ليس من بينها من القرآن والحديث إلا نصٌّ واحد قرآني ليس حِفْظًا.
يَحدُث هذا على الرَّغم من أن المؤلِّفين قالوا في مقدمتهم في الفصلين الدراسيين؛ فالمقدمة واحدة فيهما: "يُسعِدنا أن نُقدِّم لأبنائنا وبناتنا طلاب وطالبات الصف الأول الثانوي كتابَ اللغة العربية ... وقد انطلق الكتاب من المعايير التي أقرَّتها وزارة التربية والتعليم في إطار عنايتها باللغة العربية؛ انطلاقًا من كونها لغة القرآن الكريم و...إلخ".
هكذا يقول المؤلفون، وهكذا يفعلون ضد ما يقولون؛ فقد جاء الكتاب مخالفًا لشرط المؤلفين ورؤيتهم ومخالفًا معايير وزارة التربية والتعليم التي تَنطلِق من كون اللغة العربية لغة القرآن، وحقًّا هي كذلك؛ فهي اللغة الوحيدة التي تُمثِّل لغة دين ووطن، وما عداها يُمثِّل لغة وطن فقط.
(2)
لماذا يَحدُث ذلك؟ لماذا هذا التغريب اللغوي الذي يَربِط الطالبَ بمقالات ونصوص لُمحْدَثين وقدامى، ولا يُيمِّم صوبَ المَنبَع الحقيقي للغة العربية، الذي يُمثِّل الآن البيئة اللغوية السماعية الوحيدة الفصيحة الصحيحة؟
أيكون ذلك محقِّقًا للرؤية العلمانية في اللغة؟ أم يكون الأمر إرضاء للقلة؟ أم ...؟
سواء أكان هذا أم ذاك أم ذلك، فإن هذا تقصير ينبغي أن يُتدارَك، وأن تُقام الأبحاث وتُعقَد الندوات لبيان أثر غياب القرآن والحديث عن كتب اللغة العربية في المرحلة الثانوية؛ لأن المتوقَّع أن يأتي كتابا الصف الثاني وكتابا الصف الثالث كذلك.
ألا تُمثِّل هذه القضية الأهمية التي تُمثِّلها قضية المرأة، التي جعلت اليونسكو تُموِّل الأبحاث بخصوصها، فيما يُعرَف بـ"الجنسوية في المناهج"؟
يقول الدكتور حسن شحاتة في كتابه "أساسيات التدريس الفعَّال" ص 196- 197: قامت اليونسكو بسلسلة من الدراسات؛ من أجل استخلاص فكرة عامة عن التمييز الجنسوي في الكتب المدرسية وأدب الأطفال في المرحلتين الابتدائية والإعدادية في النرويج وفرنسا وأوكرانيا وأوروبا والباسفيك وبعض الدول العربية، وقد اعتمدت هذه الدراسات على لائحة بالنماذج الجنسوية تتضمَّن: المحتوى، ويشمل النصوص والصور، والنماذج، وتشمل الأدوار العائلية والمدرسية، والصفات الشخصية، وأدوارًا في العمل، وتوصَّلت هذه الدراسات إلى وجود الكثير من الأنماط الجنسوية في الكتب المدرسية؛ فقد انتهت الدراسة العربية إلى أن هناك نظرة تقليديَّة عامة نحو المرأة، حيث تَستمِدُّ النساءُ مكانتهن من الزواج والأمومة.
وقام قِسْم المساواة في فرص التعليم أمام الفتيات والنساء التابع لمنظمة اليونسكو في سنة 1981م - وأظنُّ أن هذا القِسْم (قسم المساواة في فرص التعليم أمام الفتيات والنساء التابع لمنظمة اليونسكو) هو الداعم لإنشاء وحدة تكافؤ الفرص في وزارة التربية والتعليم 2012م - بتحليل 79 كتابًا للقراءة من مجموعة الكتب المدرسية العربية، شمِلت كتب القراءة في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة في كلٍّ من لبنان ومصر وتونس والمملكة العربية السعودية واليمن وقطر والكويت، وقد اقتصر التحليلُ على الأدوار النسائية والهُويَّة والصفات والأدوار النسائية ووظائف النساء، ولم يَمتد التحليل إلى الجوانب اللُّغوية أو الرسوم الإيضاحية".
وقام هو بأبحاث استَعرَض فيها المناهجَ وحلَّلها، ليرى أتغلب المرأة الذكور في أسماء الإشارة والضمائر والأسماء الموصولة والأعلام و...؟ أم لا؟ فلماذا نتبنَّى ما يتبنَّاه الغرب ومؤسساته، ونُهمِل قضايانا التي تُمثِّل هُويَّتنا؟!