أنت ووطني بذات الحال،
كلما اقتربتُ إليكما ؛ أبعدتني الدروب عنكما وألقت بي خارج حدود فضاءاتي،
و كلما كتبت إليكما رسالاتي وتحت جناح يمامة خبّأتهن، تلقّفهن غرابٌ متربصٌ بكلماتي
فيأسر يمامتك، ويفترس كلماتي.
أنت و بلادي جرحان صبـّت ينابيعهما في لحن صبايَ، وإكسيران اختلطا في كأس شبابي،
و اسمان علقا في قعر صندوق ذاكرتي.
وقفتُ بالأمس أنتظر، علَّ سراجك ينير دربي، أو يحضر وطني ليضمِّدَ لي جرحي،
علَّ حروفك تصلني ؛ كما وعدتني.
عيناي معلقتان صوبكما ؛ هناك، حيث تلّ اليمام،
أرقبه منذ عدة صباحات، علّني أجد يمامة توشوشني: "هناك من يبثك السلام"...
لم تصل اليمامات، فلقد هجرت تلّتي و الفرات، و ما عدتُ أعلم من أخبارها شيئًا
لم تعد لتبثني التحيات ؛ هاجرت قبل موسم الرحيل.
أعلمُ...
أنني لا أجيد لغتك، ظنونك، جنونك، ولكنني وعدتكما " أنت و بلادي"
أنْ: ستبيتان في صندوقي الصغير...
خبّأتُ فيه يمامةً، وكومَ كلماتٍ أحبها هي كل ما أملك،
أخشى لو أرسلتها إليكما نهبتها غربان بلادي.
و تسألني ...؟!
هل أعلن عن هويتي وعنواني ؟ أ أرسم لك وجهي بالطبشور والألوان ؟
ماذا أقول عن وجعي وأحزاني ؟
دع القناع يبيت على وجهي، يجمّله، يحميه من سرب البوَم والغربان،
و إلاّ فأنه سيصبح على وجعٍ، ويمسي على ثان.
مَن أنا ...؟!
أنا من لا أجيد رسم الخرائط على الشطآن، صادروا صوتي كي لا يسمعه الندى،
أنا بقيةُ وجهٍ تحت الطلل خبّأتُه عن ذرات الرمل، عن عاصفة سوداء، وحمم البركان.
أنا بقية حزن نوارس غادرت الفرات وباتت تحت شبّاكي،
قلبٌ كادَ أن يتيهَ في ظلمة ليلي لولا بقية قمرٍ مكسور سكن فوق كوخي.
كم أحتاج للعودة...؟
أحتاج عقدًا من الزمن لأرسم النهرين على خدّيَّ،
لأصطاد اللؤلؤ من البحر وأملأ سلالي،
لأعيد خارطة عشقي، فأمهلني عقدًا، و أمهلني عشقًا.
يا أنتما...
يا ملهميَّ النطق بكلمات الله التامات، ترفّقا بيْ ؛ لأخرج من بين ركام الحدود بلا وجعٍ
لألقاكما بذات المكان، وجه ما ضرَّجه الدم، وما فقد ملامحه وعنوانه.
بت ُّ أخشى أسر الصندوق المقفول وذاك القناع سجّاني,
صرت أخشى الورد المنقوع بدم الكلمات في بلدي،
يا ساعة فجر ٍغادرتني قبل الربيع.
أذكــّر...
أنك فتحتَ لي بابًا شرقيًّا بعد أن صادروا هويتي و سلبوني ألوان المرايا
فعشقتُ ألوانَ كلماتك المنقوشات على أجنحة العصافير،
تنثر عطر دجلة والفرات فوق ضفيرتيَّ، يفوح من بين مسامات كلماتك عبق تموز،
فهل ما زال الباب مفتوحًا ؟
يا أنتَ،
إنْ وجدتَ الدربَ حزينًا ، فحذارِ !
فذاك الدربُ عنواني...
و إن سمعتَ ترانيمَ حزني فأحزنتك، فدونك الرحيل ؛ كما فعل وطني،
و ليكن النسيان.
6-7-2008