الحياة خطوة تتعثر أحيانا ، غير أنها تتقدم في افتراض الجمال ، ركيزة هذا الجمال دلالة الحب ودلالة الأمل وهما ركيزتان غير مرئيتين ، فالحب تمسك ، والأمل اندفاع ،
ودلالة الحبيب ودلالة الوطن الركائز المرئية التي جعلت الشاعرة موادي خديجة أكثر اندفاعا في الحياة من خلال ديوانها (( قلب بقميص الظل )) رغم حالات الإحباط في سائر أوجه الحياة المحيطة في إنتاج قصائدها إذا اعتبرنا الدلالة الأولى هي الإهداء ، لأنه أنبنى على حالات التردد والحيرة ومن ثم بزوغ ( أفق تنهمر فيه الحروف ماطرة في جدب الصحراء ) .
إذن الخيط الذي يدلنا على اجتهاد الشاعرة في الحياة هو الحروف الماطرة ، فالحرف سكون وصت وحينما تحركه المعاني يبدأ يمتلئ كالسنبلة بالعافية والخصب تقول :
( أنا المبتدئة .. الممتلئة
بدهشة البحر والنهر
واليه أمضي !! )
ابتداء ، امتلاء ثم حركة المضيّ تعيدنا إلى دلالة الحب والأمل
( لأول محطة لقاء ..تمر !! )
لتقف الشاعرة بالضد من شيخوخة الليل وهي تقول :
( يتمطط البوح
جنينا مثقلا بالصرخات
ثائرا بخلع نعال الصمت
ويصلي بمعبد قلب
ترتب أنامله
كل الأوراق
ليغنــي . )
إذن حركة بوحها أي صوتها ومساهمتها بالحياة بشل حركة الصمت مجازا لغويا وربط هذه الحركة بالقلب أي الحب ووثيقة الأوراق ، ليكون الانشراح في الغناء أي افتراض الحياة وسعادتها ، لتجعل من شيخوخة الليل باعتباره ينبوع الأرق والتفكير أوراقا يسكنها الجرح ، وهذه معالجة لغوية بتحريك سكونية الحرف وجعله الناطق باسم الحب والأمل ...
جعل الشاعرة تصرخ قائلة :
هو حوار أبكم نتيجة المقابل الآخر ، لكن إصرار موقف الشاعرة وتثبيت رؤيتها من الحياة أصبحت حقلا يمتلئ بالخصب وما عداه يخفت وينطفئ ثم أنها تظل مصرة على موقفها وحتى أحلامها تبقى راعفة بالمطر رمز الخير والعطاء والخصب ، تقول :
ثم أنها تتحول من الذاتي إلى الموضوعي تحت هاجس الحب وهي تخاطب أخاها :
( يا أخي
الذي هاج منه ما حق إلا لأبي
ما تجدي الرؤوس
أن دست كما النعام كبريائها
برمال السكوت والحيـــاد . )
وهذه أشارة واضحة لقضية الأمة العربية وأنظمتها الرسمية التي لم تخطو الخطوة الصحيحة نحو تثبيت حقوق الأمة ، وهذا الموقف أشارت له الشاعرة بطرف خفي ، رغم أنها مثقلة كما قلنا بهمومها الذاتية .
ونرى الشاعرة تذوب بلحظة اللقاء مع الحبيب لتحيل هذا اللقاء الحلم إلى حالة تصوف بقلب أماكن الكلمات إلى أمكنة أخرى وهي مغايرة مدهشة في قولها :
( وقلت لكاتم الصوت
بمسدس مقلتيك
مباركة أشلائي
لو دستها بحوافر الزهـر
على صفحات لحظي
لو وطئت جزري النائية
بكلمة صغيرة منك
أحتسيها بغفراني
حبيبات من ندى وقطــر
من شتاء .. لربيع قادم !! )
هكذا تنقلنا الشاعرة بلغة جميلة حاولت أن تناور وتغاير بها من اجل البحث عن أعماق المعاني وهي تفتح نوافذ تطل من خلالها على عالم الكلام المسكوت عنه ، لتشير له إشارات ينجذب لها المتلقي بالبحث والتنقيب ، وكان هاجسها الأول هو الكتابة والكلمات ، فبها تعبر إلى ضفاف البوح الذاتي والموضوعي ، ومن هذا يظهر أن الشعر عالم من الجمال يضم في أحضانه كل ذات نقية تبحث عن الجمال والكمال وهذا ديدن موالي خديجة وهي تحاول التخلص من أدران الحياة والجسد تقول :
( سأسميك ، مذ غسلتني دموعك
أرضا بكرا
حاصرت الجسد بأخيلة الكتابة
مسافة فاصلة
بين سحاب وتراب
يمشيها المتعبون
أخدانا للماء
حين الماء يبلل
عطش منفاي
مني إليك . )
نلاحظها هنا توترت بين الدموع وهي عامل تطهير وبين الجسد بأدرانه والكتابة التي تفترضها كلون من ألوان التعبير والمعالجة ، والتي تجعلها تتوتر أكثر بين السمو قرب السحاب تنتظر المطر وبين التراب الذي هو الأصل الداخل في مادة الجسد ، وهذه التوترات خلقت أرجوزة من حالات إدهاش ومفارقة حيث تقول :
( انزفي يا مي
كما ينزف الضوء
بفراغ السراديب
وطرزي نبضك الدافق
حواشي عالم
حاكته أجنحتك
بشلال من الكلمات !! )
وهكذا الشاعرة تبقى في محراب الكلمات التي تصوغها شعرا دافقا هو الآخر نحو اكتمال الصعود والتسامي من أجل الطهر الأكثر نقاءا ، وهذه تعكس صراع الذات وهي تنزع نحو التخلص من أدران الحياة الشائبة وتبحث عن .....
( زهو أيام سقطت
من فرط غيبوبتي
غرثانة
بين أذرع الخريف
ووحم الأشعار )
هي تقول هكذا أي تجعل الأشعار حبلى مثقلة بأشياء تبحث عنها الشاعرة وهي تقول :
( أسأل نفسي
عن حلمي )
( فوق جدار الحب )
وعن /
( الأمس الذي عفوت عنه
في قصيدة . )
( كي يزهر في المرج
عطر سابح بملكوت حنانيك )
لتستقر على رؤية محددة بأن الحياة خطوة ركيزتها الجمال المثبت على دلالة الحب و الأمل كما أسلفنا في المقدمة حتى أنها ثبتت على هذه الرؤية وهي تقول :
( أجدف وسط كهوف حيرتي
ولا أصل حيث تقف أنت
وكلانا .. بعيد !! )
لكن ( روحي تمشط ضفائر دخانها
وتمشي وسط نتف النهايات
ملسوعة الأنين
راعفة الصمت )
ومن عبارة ( كلانا .. بعيد ) إلى ( راعفة الصمت ) تأكدت لنا هذه الرؤية الثابتة في بناء الحياة على ركيزة الجمال في الوصول والثبات وركيزة الجمال عند الشاعرة هو الشعر الذي يحمل إرهاصاتها ورؤيتها إلى الآخرين ، وشعر موالي خديجة جاء بلغة بسيطة هادئة تارة ومنفعلة أخرى و بينهما خط التوتر الذي يخلق حالات التجلي والسمو الروحي .
/ ديوان (قلب بقميص الظل) للشاعرة المغربية موادي خديجة
اغلب قصائد الديوان نشرت على الشبكة العنكبوتية