ومن منفاي ، حيث الليلُ لايبعد كثيراً عن عتبة النّهار ، وحيث الأغانيّ صامتة في حضرة القلق ؛ أعودُ لأختطفَ لحظات الكتابة إليك ، وألمس نبض الحبر حين يكون بعيداً عن مأوى الحب...
فالشّهور مضت، والأيام تراكمت ، ومابين القذائف والشّظايا ، وبرق قنابل التّنوير ؛فقدتُ (تكريت) ، وفقدت جدرانَ ذكريات عامين من الحب وعامين من همسات العيون وضحكات الأنامل والقبل
فهنا في بغداد؛ ليس لحبنا مأوى؛ نحمل جراحنا في حقيبة السّفر ؛التي هي آخر ماتبقى لنا من بلادنا الصّغيرة
أُخرِجُ من الحقيبة ثوبا ؛ فيذكرني بأثواب لي تركتها ورائي هربا ، وفي طيّاتها عطر ألف قبلة
أُخرِجُ منها عطرا فيحاصرني شوقٌ محرق ٌ ل(شارع الزّهور) الذي كان يضيء الليل مثل اللؤلؤة
أُخرِجُ منها طلاء أظافر ؛لايذكرني بشيء فقد اقتنيته هنا من منفاي
أحاول إخراج شراشفَ ظننتُ بأنّي دسستها في حقيبتي ، فتبزغ مناديلٌ ملوّحة بالبكاء ، وتبزغ غيوم مضرجة بلون الغياب الطويل ، ويبزغ وجه المدافع شامتا بقلبي ؛ بأنّ النّصر كان حليف دويّها على زقزقة عصافير بساتيني... نعم كان النّصر لها حليفا والنّحر لنا رديفا
صديقتي
لم يعد لشجني من متّسع في قلبي ، فلاشيء أمرّ من المنفى ، وكلي يقين بأنّ جوارحك تردد وتحاول أن تقول لي أنّه لامنفى داخل الوطن
ربما قولك حق ولكن ياصديقتي لقد سُلِبَتْ مني عواطف الانتماء لهذه البلاد
فهذه البلاد ماعادت لي ولا لك
هذه البلاد آلت للمسلحين والأغراب والزّناة وسماسرة الجسد واللغة الوطنية
هذه البلاد ضاقت على خيال الشعراء وماعادت تتسع لأحلام الفقراء
هذه البلاد ماعادت للطيبين ولا للقابضين على جمر الوفاء بأكفّ قلوبهم
هذه البلاد تطردني أينما حللت
هذه البلاد تدفعني لأن أكفر بالورد وبالشعر وأغاني السنابل والحمام
فتلك الوردة تصفعني
وتلك السماء تسلبني ألواني
وتلك القصيدة تثير غثياني
ووحده صدر ذلك الشاعر صار بلادا تأوي لها أنجمي وكواكب أحلامي الصّغيرة
5تشرين 2014
التوقيع
ممن اعود ؟ وممن أشتري زمني ؟ = بحفنة من تراب الشعر ياورق؟