مدام كوري ؛سيّدة الفيزياء
(ماريا سالومي سكلادوفسكا) أو مدام كوري اسم؛ ارتبط بثلاثيّة الفيزياء والإشعاع ونوبل ؛ اسم كان حتّى وقت قراءتي كتاب (هَوَسُ العبقريّة) نموذجًا للمرأة العالمة، المفرَغة القلب من العواطف التي تميّزها كأنثى، والهامدة الرّوح ؛فلا مشاعل يتوهج بها الجمال ولا مبادئ تحصّن بها عملها من كل تقاعس وتضليل وبحث عن المجد والشّهرة . فلم أكن أراها غير امرأة لاتأبه بالحياة ولا بالزّهر ولا بجراح الأوطان المحتلة مثل بلدها بولندا الذي كان يرزح تحت نير الاحتلال الرّوسي؛ فكلّ الحكايات تصوّرُها سيدةً يعملُ قلبها كمنظومةٍ من المعادلات الكيميائيّة والحسابات الرّياضيّاتيّة، وأنّ منزلها قد اتخذ لون الأبخرة المتصاعدة من تجاربها العلميّة نمطًا للحياة ؛ فلم أظنّ يومًا بأنّها تجيد الابتسامة مثلما تجيد التّفكير، وماظننتُ أنّ الفقر طرق بابها؛ حتى أدركتُ بأنّها قد بزغت من ركام الفقر والحرمان والجوع والبرد والخوف من عقوبة المحتل وذلة مسافات اللجوء والملاحقة والتّهميش ومحاولات سحب بساط نوبل من تحت قدميها؛ حتى استوت على قمّة أعظم عالمةٍ في القرن العشرين بإرادتها وإصرارها وتضحياتها ومواصلتها الدّراسة، والعمل الدّؤوب ليلا ونهارا؛ حتى كتبت في مذكراتها :" لاينبع الاكتشاف العظيم جاهزًا مثل منيرفا التي تنبع كاملة من رأس المشتري ، لكنّه تراكم أعمالٍ سابقة ".
ولا أظنّه تراكم أعمال سابقة فقط بلا موهبة حقيقيّة، وإيمان مغروس بالعلم ومَعاملهِ ؛ فقد حظي كل أخوتها بنصيبٍ عالٍ من الذّكاء ؛ وكان لها النّصيب الأوفى من النّبوغِ منذ طفولتها ؛ ويقال إنّ أحد اقاربها قرأ قصيدةً أمامها فانتحت بأحد الغرف وعادت لهم بورقة كانت قد كتبت بها القصيدة بالتّمام والكمال. هذا النّبوغ كاد أن يفقد حماسته عندما فقدت أمّها وأختها بوقت متقارب ، لكنّها مالبثت أن تمالكت نفسها وثابت إلى دربها الذي اختارت بدايته لتحصل في العام 1838 على الميدالية الذّهبية كأفضل طالبة ثمّ عادت إلى وارشو وهي بعمر 16 ربيعًا وهي تحمل معها هموم شظف العيش والتّقشف في المأكل والملبس هده الحالة التي لازمتها زمنًا طويلا قبل أن تحصل على جائزة نوبل. فيخبرنا التّاريخ بأنّها منحت أحلامها استراحة، ريثما تحقق أختها برونيا حلم دخول كلية الطّب، مما دفع بـ (مانيا ) للعمل كمربية عند آل زورافشي براتب خمسمئةِ روبل في السّنة؛ ليتلقّى قلبها أوّل جرح عندما رفضت عائلة زورافشي أن تتمّ خطبة ماري لأبنهم، فاتخذت قرارها بالتّوجّه نحو باريس لدراسة العلوم في جامعة السّوربون ،فصار اسمها (ماري) بدلا من (مانيا) ، وهناك في باريس وفي حجرة صغيرة باردة متهالكة انكبت على دراستها وسط الجوع والبرد لمدة عامين من الحرمان لكنّها كانت تمتص التّعليم امتصاصًا وكأنّه القوة المانحة للحياة ، بل كان شغفها بالعلم هو الذي لفت انتباه عالمٍ طموح بدأت شمسه تبزغ في الوسط العلمي الفرنسي أنذاك وهو بيير كوري لتغيّر ماري مفاهيمه حول المرأة ويراجع آراءه عن النّساء ويقرر الزّواج من ماري سكلادوفسكي لتحمل اسمه وتصبح مدام كوري ، ليبدآ رحلة البحث المشترك الذي تكلل باكتشاف ظاهرة النّشاط الاشعاعي التي أهلتهما لنيل جائزة نوبل مع العالم بيكريل، رغم كل المؤامرات التي حيكت وراء ظهر ماري لسحب بساط الجائزة منها.
لكنّ سعادة البحث لم تستمر مشتركةً بينهما؛ فقد صدمت عربةُ حصان بيير كوري ،وهشّمت العجلة الخلفية رأسه ،ومات على الفور؛ لتدخل ماري كوري بحالة عزلة من جديد ،وتحدّثه بمذكراتها وكأنّه مايزال على قيد الحياة . فتحتضن ابنتيها وترحل بهم بين المدن لتجد قلبها بعد أعوام ينبض من جديد مع بول لانجفين فكادت علاقته بها أن تحطّم مسيرتها العلمّية حين انبرى الوسط الأكاديمي نقدًا وقذفًا بها وكأنّه وجد الفرصة المرجوّة للنّيل من هذه المرأة التي تفوقت عليهم ؛ورشّحت من جديد لجائزة نوبل ، ولكن في الكيمياء هذه المرة لتمكنّها من فصل البولونيوم عن الرّاديوم . ورغم الدّعوات الكثيرة التي طالب بها أساتيذ السّوربون حجب الجائزة عن ماري كوري بسبب تناول الصّحف علاقتها بلانجفين بطريقة فضّة لكنّها حضرت حفل التّكريم وخاطبت زملاءها والصّحفيين بأنّ حياتها الشّخصيّة ملك لها وينبغي أن لايخلطوا بين خصوصيتها وبين حياتها الأكاديميّة . التي تفتخر بها كأوّل سيّدة تحصل على :
1- درجة علميّة في الفيزياء في السّوربون
2- درجة علميّة في الرّياضيّات في السّوربون
3- لقب استاذ في السّوربون
4- جائزة نوبل في الفيزياء مع زوجها لاكتشاف ظاهرة النّشاط الاشعاعي
5- جائزة نوبل في الكيمياء لفصلها البولونيوم عن الرّأديوم
د. كوكب داود سالم
التوقيع
ممن اعود ؟ وممن أشتري زمني ؟ = بحفنة من تراب الشعر ياورق؟
يكفيها أنها أول امرأة تحصل على جائزة نوبل
مقال يتضمن سيرة ذاتية لشخصية علمية كرست حياتها في خدمة العلم
ونشر المعرفة ....
تحية تليق أستاذة كوكب ودمت في رعاية الله وحفظه
التوقيع
لا يكفي أن تكون في النور لكي ترى بل ينبغي أن يكون في النور ما تراه