الضاد بين وصف القدماء والمحدثين:
وصف القدماء صوت الضاد -حسبما كان ينطق في زمانهم- بأنه صوت رخو مجهور مطبق مستطيل، يخرج من أول حافة اللسان، ونظرًا لتميز الضاد بهذه الصفات فإن النطق به يعسر على الألسن مما يدي إلى وجود صور أخرى ينطق بها إلى جانب صورته الفصيحة التي يقرأ القرآن بها.
ومشكلة الضاد قديمة إذ ذكر سيبويه الضاد الضعيفة إلى جنب الضاد الفصيحة، وذكر ابن الجزري صورًا لنطق الضاد في زمانه، ووصفه بانه يعسر على اللسان، والناس يتفاضلون في النطق به.
وذكر أحد العلماء عددًا من صور نطق الضاد في زمانه فقال: " وليس في الحروف ما يعسر على اللسان مثله وألسنة الناس فيه مختلفة فمنهم من يخرجه ظاء، ومنهم من يخرجه دالًا مهملة أو معجمة، ومنهم من يخرجه طاء مهملة كالمصريين، ومنهم من يشمه ذالًا، ومنهم من يشير بها بالظاء المعجمة لكن لما كان تمييزه عن الظاء مشكلًا بالنسبة إلى غيره أمر الناظم بتمييزه عنه نطقًا"
وامتدت بعض صور نطق الضاد التي وصفها القدماء إلى وقتنا الحاضر لتمثل النطق الفصيح عندنا، بعد اختفاء تلك الضاد الفصيحة التي وصفها العلماء في زمانهم كضاد فصيحة، وأصبحت تنطق عند العرب اليوم في اللغة الفصيحة بصورتين مختلفتين:
1- دالًا مفخمة شديدة، في نطق المصريين وبعض أهل المغرب، ويبدو أن أصول هذا النطق قديم لقول ابن الجزي: " ومنهم من لا يوصلها إلى مخرجها بل يخرجها دونه ممزوجة بالطاء المهملة لا يقدرون على غير ذلك، وهم أكثر المصريين وبعض أهل المغرب". ويرى بعض الدارسين أن الدال المفخمة الشديدة يمثل النطق القديم للطاء المجهورة.
2- ظاء رخوة، وهو النطق الشائع في العراق والجزيرة العربية وبعض المناطق الشمالية في المغرب. وذكر هذا النطق للضاد ابن الجزري بقوله:" فمنهم من يجعله ظاء مطلقًا؛ لأنه يشارك الظاء في صفاته كلها، ويزيد عليها الاستطالة، فلولا الاستطالة واختلاف المخرجين لكانت ظاء وهم أكثر الشاميين وبعض أهل الشرق".
وعدَّها أغلب المحدثين الضاد الفصيحة من الأصوات الشديدة؛ على الرغم من أن وصفها بهذا الشكل مبني على نطق بعض العرب اليوم لا جميعهم. ولعل هذا الوصف والاختيار للضاد يعود إلى كون الدراسات الصوتية بدأت في مصر قبل غيرها من الأقطار العربية، فوصفت الضاد التي تمثل نطقهم بالفصاحة، ثم حذا الباحثون حذوهم في التأكيد على تحول الضاد الرخوة إلى شديدة، والحقيقة أن الضاد الفصيحة لا يتوحد النطق بها في الأقطار العربية. وكثيرًا ما نسمعها من قرَّاء القرآن في العراق صوتًا رخوًا خاليًا من الانفجار أو الشدة، وأشار كثير من الدارسين إلى وجود الضاد الرخوة على ألسنة العرب لا سيما العراقيين.
وصرح القدماء أن الضاد الفصيحة أقرب للظاء منها إلى الدال الشديدة أو الطاء، قــــــــــال المرعشي: " والضاد لا يفترق عن الظاء إلا باختلاف المخرج وزيادة الاستطالة في الضاد، ولولاهما لكانت إحداهما عين الأخرى".
وحذروا كثيرًا من الخلط بينهما، وخصصوا لتوضيح الفرق بينهما مصنفات ورسائل عديدة
ويرى القدماء أن النطق بالضاد شبيهة الظاء هو المقبول بعد ضياع الضاد العربية الأولى؛ ويرون أن هذا الصوت أقرب إلى النطق الصحيح من الضاد الشديدة، والتي سماها الضاد الطائية، التي تشبه الدال المفخمة والطاء المهملة الذي ينطق به أكثر المصريين.
أما فيما يخص الأحكام الشرعية لمن يخلط الضاد بالظاء فان كثيرًا من العلماء قال بصحة الصلاة بالاشتباه بين الحرفين، وقال بفساد صلاة من قرأها بالدال.
ويكفي بهذه دليلًا على الشبه الكبير بين الضاد والظاء لكن ذلك لا يعني أن العرب الذين يلفظون الضاد ظاء قد حققوا الضاد بصورتها القديمة؛ لأنَّ ذلك يعسر على السنة الناطقين بالعربية اليوم.
ولعل أهم ما يلزم التنبه إليه هو التفريق بين الظاء والضاد في النطق، لأن لفظهما صوتًا واحدًا أدى إلى الخلط بينهما في الكتابة وعدم التمييز بينهما، فلو أُلتزم بنطق الضاد شديدة والظاء رخوة في الفصحى ووحد النطق بذلك، لقُلِّل الفارق بينهما حتى وإن كانت الظاء أقرب إلى الضاد في النطق القديم.
آخر تعديل شاكر السلمان يوم 07-06-2015 في 01:00 AM.