أهلا بالحرية التي لا نعرفها ولا نعرف كيف وصلت إلينا ، هنا في هذا البلد اللاحر أناس كرسوا جل دعائهم و صلاتهم و أمنياتهم للحرية ، فمنحها الرب لهم و ترجموها كيفما شاءت عقولهم ، البعض عوض سنين الخوف من الذهاب إلى الجامع و حضور الصلاة الجماعية ، لكي يعوض كل ذلك اعتزل هناك ، حتى إن أهله لم يروه إلا عندما أطلقت قذيفة على مأواه الأخير ، أطلقت من قاذفة رجل كبت نقمته الخاصة طيلة سنين اللا حرية ، رجل صار لا يبول إلا في الأماكن العامة ، لص عتيق حاول أن يجرب و لأول مرة من عمره النضالي السرقة في وضح النهار فصدم بالجميع ، كان الكل يمارسون و بمهارة لا تقل عن مهارته الحرفية التي ورث فنونها من أبيه و جده ، و لأنه لا يحب سوى المهن الانفرادية انخرط في السلك السياسي ، جارنا الذي لا يجيد حل لغز الحرف الكتابي و الذي كان يمارس طقوس البكاء خلال فترة تلقي التلاميذ دروسهم ، قام هذا الناحب بنسف (( 9 )) جامعات و (( 4 )) مدارس ثانوية و ((2003 )) مدرسة ابتدائية ، شيد من خلال ذلك مجزرة قتل فيها أكثر من (( 1400 )) طالب ، و عندما هب الناس لبناء ما تهدم على يديه ، وزع (( مناشير )) يهدد فيها من يحاول أن يعيده لصومعة البكاء .
الحرية في كل مكان ، فراش الخلوة الشرعية صار تعداده رجلا و أربعة نساء في ليلة و مكان واحد ، احدهم من فرط ممارسته لأركان الحرية انبثق من ظهره جناحين طار بهما دون رجعة ، صارت الحرية أن تفعل عكس ما هو سائد ، النساء زغردن حين جاء نبأ موت أبناؤهن في الحرب و لطمن حين تزوج ما تبقى منهم ، الطالبات وقفن في طوابير طويلة أمام مدارس الطلاب ، صديقتي جاءت بأهلها و تقدمت لخطبتي ،ولكن ابنة عمي نهت في هذا الأمر و تركتني أمارس عنس الرجال ، أخي الصغير بعد أن كان مهووسا برياضة رمي الثقل ، صار لا يرمي سوى الرمانات اليدوية الهجومية منها و الدفاعية ، أمي تضرب أبي يوميا لأنه يتأخر دوما بإعداد الفطور و تعمير (( النارجيلة )) ، أختي الكبيرة طلقت زوجها لأنه لا يقبل أن يأتي لها (( بضرة )) تملأ عليها وحشة الدار ، زوجة أخي رمت عليه يمين الطلاق لأنه لا يقبل أن تتزوج من رجل ثان ، ولعدم إيمانه بالمثنى و الثلاث و الرباع اقتنع بالتفريق على أن تؤمن له النفقة الشهرية ، اليوم ضربت المدير لأنه تأخر عن الدوام الرسمي ، طلقت زوجتي لأنها تحبني كثيرا ، قتلت كل أطفالي لأنهم يشبهوني و يقلدون تصرفاتي في سن ما قبل الحرية ، آه من الحرية ، الحرية المفرطة التي أغرقتنا بأنثيالاتها ، صار البعض يهاجر و يترك خلفه الحرية الخائفة و هذا البعض صار يدعو الآخرين للتمسك بنظرية حرية الوطن ، علينا أن نهاجر و نمنح هذا الوطن المقيد منذ آلاف السنين شيئا من الحرية ، اتركوا الوطن يعوم في الحرية حد الغرق و الاختناق ، دعونا نهرب من حرية الوطن و هذه المعلبات الرخيصة .
مشتاق عبدالهادي
آخر تعديل عواطف عبداللطيف يوم 06-05-2010 في 11:00 PM.