صخب طفولتك الفائضة يرتطم بأمواج صمتي و يطرقها بتلك الضحكة السماوية التي تشبه عينيك ليوقظ أمومتي وأنت تشدو لي : ماما رشا ..
لأعرف وأنا أنوء تحت حمل ذاكرة موحشة أن الطفولة قدر وأن الأمومة إرث !
هل قلت لك الفرح كما يجب وأنت تطل من سمائك الملبدة بالغربة الى سمائي الصاخبة بالحكايا وتلك الوجوه الآفلة ألتي رسمت خطاها في ذاكرتك ومضت مزدانة بحبرك العصي على النسيان !
تراني رسمت لك وجه البهجة وهي ترقص فوق حروفك المبللة بتلك ( الشنشالة) التي لم يتوقف هديرها في ذاكرة أوراقك !
لك أن تنهمر في قيعان الغربة صمتا يؤرخ الخطى الهاربة من المحرقة ... ولي ارتشاف الصمت بماتيسّر من القصائد والأغنيات ..
لك وشم الحكايا في ذاكرة جداتنا الطيبات حد البكاء ورائحة الرغيف ووجه الجبال والنهر والحصى الذي يتناثر أصدافا تلوّن فضاءك ويتراقص فوق حبال ذاكرتك المأهولة ببيوت الطين ورائحة النهر وحكايا حسين النمنم (والسعلوّة) التي تناهبتنا بظلمتها حلما تلو آخر ...
ولك أن تعترف في قداسة أمومتي أن الشمس لم تعد خيارا وأن الليل قاسٍ في المدن النظيفة حدّ الموت وأن الغناء موحش لدرجة الذكرى وأن المنافي أجل مسمى يرتديه الجسد فيما تغامر الروح بخلاعة صرختها ..
ولي كل هذا الشجن الذي تؤرجحه يداك وهي تجالس حصى لايحمل في جيناته صورنا الكالحة ووجه مدينتنا قبل أن تقصّ ظفائرها وترمي بنفسها في أتون الزيف ..
لك أن تستحضرني شعرا ( أيها الرب.. هذه طفلتك رشا تحكي عن الحصى والماء والشاطيْ - الشنشاله - إسم صوتي من أصوات البرية .. وهي فتاة العبارة والشعر تجوب البلدان وتؤرخ الزمان ..)
ولي أن أستعيرك طفلا مضرّجا برائحة الحليب وعينين تستقلاّن الغيم لتحكيا لي حكايا النوم وتبعدان عن مساءاتي اشباح الوحشة وأنا أغني لك كلما شرعت بالبكاء ( أيها الرب .. هذا طفلك فاروق.. سليل الحصى والجبل .. إبن البراري الذي أفسدته المدن حدّ الشعر وأيقظته المنافي حدّ الدمع وابتكرته أمومتي حد النداء )
ولنا اقتفاء الحنين على أوتار تحبو بارتباك نحو الأبجدية مختلسة الخضرة وهي تعشّب فوق حروفنا وجنوننا الذي يؤرخه الهواء ويؤرشفه أغنية بيضاء في مفكرة شمس.. ندخرها لبرد بعيد .
---------------------------
الشنشالة : هي تلك الدوامات الصغيرة التي تحدث في مياه الانهار و تدعى شنشالة بلهجة أهل تكريت في العراق وربما لهجات اخرى