كلّ شيءٍ كانَ يوصلني إليك ِوحدك ، الحاراتُ والشوارع ُالعتيقة ، شكل ُالبنايات ِالقديمة صوتُ الباعة ِ الذين يتجولون في الطرقات ، الأشجارُ المنتشرة على أرصفة الشوارع ِ كجنودٍ يحرسون موكب زعيم ٍقادم ، ملامحُ وردة ٍفي صباح ٍوقد تغمّستْ بالنّدى ..كلّ شيءٍ كانَ يقودني إليك وحدك ..
ما أقسى اليومَ الذي تكونين َ فيه بعيدة ! يملأهُ الفراغ ُ الرّهيب ، أشبه ُبنهار موظف ٍ متقاعد ، كلّ شيء يكون ُصامتا ً أو قابلا ً للصمت ..يوم باهت الألوان ، لا طعم َفيه للأشياء ...
أهكذا يفعلُ الغياب !؟
هل الغياب ُهو الذي يستفزّني للكتابة ، أم ْ الكتابة ُ ملجأ حتى أؤرّخَ لأحداث ٍفي حكايتنا التي لا تنتهي ؟
أستعيدُ الحنين َ لمدينة ٍكانت ْ طرفاً ثالثاً في تمرّدنا وجنوننا ..شرعت ْلنا نوافذَ قلبها ، ومنحتنا الحريّة َأن نتجولَ في شوارعها ، نتوقفُ على الإشارة الضوئية كأبنائها الطيّبين، منحتنا الأمن في التنقل دون أن يراودنا شعورٌ أننا نهربَ بهذا الحبّ الكبير ..
وحين اقترب َموعدُ غيابك / غيابي / غيابنا ، أخطأنا الطريق َ، هل أصبحنا غرباءَ لا نعرف ُالطرقات ؟ هل كنّا نحلقُ في فضاء نسينا كيف نعود من حيث بدأنا ؟
ــ أين تريد أن تذهب َ الآن ؟
ــ أريد ُ التوجه إلى وسط ِ المدينة .
ــ لماذا ؟
ــ أريد أن أرى أكثر َمكان ٍ مزدحم ٍ بالنّاس ، أريد أن أراك في وجوه العابرات والعابرين في الشوارع ، في المقاهي والمطاعم الشعبية ، أولئك الذين يتزاحمون في الحافلات ...
ــ دعني آخذك َ إلى هناك َ وأعود .
ــ لا ...اريد أن أبقى معك لآخر نقطة ...وأكمل ُمسيري ..
ليْتني استبقيتُك ِ معي ...كيف طاوعني قلبي أن تغادري ..لماذا لم تسمعي صوتي حين صرختُ مناديا ًعليك ِوأنت ِتغادرين وسط طريق مزدحم ٍبالسيارات ...
كلّ شيء ٍكان َيحملني إليك ..شوقي / حنيني / حديثك ِالمُشتهى / ملامحك ِ الخُرافية ..
ذهبت ِ وأكملتُ ذاك المساء مع المدينة ..مدينة كانت ملآى بنا ..وفجأة أصبحت صامتة ..مكتظة بالفراغ ... .