كان أحد التجار مولعا بالحكماء وبما يتركونه من قيم نفيسة بين الناس ..
فأرسل إبنه الوحيد إلى أحدهم عساه يكتشف سر السعادة التي طالما أرقه بسؤاله عنها
قضى الولد أربعين يوما في الصحراء ..وأخيرا وصل قصرا جميلا يقع على قمة أحد الجبال حيث كان يعيش الحكيم ..وبمجرد دخوله وجد تجارا يخرجون ..وغيرهم يدخلون ..وبعضهم يتشاورون ..وفي إحدى الزوايا لمح فرقة موسيقية صغيرة تعزف ألحانا هادئة ..وكانت هناك مائدة عامرة بما لذ وطاب من مأكولات تلك البقعة من العالم ..ولاح من بعيد الحكيم يتحدث مع هذا وذاك وقد استدل عليه الشاب من بعض الوافدين ..وكان عليه أن ينتظر قرابة الساعتين حتى يأتي دوره.. غير أن الحكيم سمح له بذكر سبب زيارته..مؤكدا له بأنه لا يملك الوقت الكافي ليشرح له سر السعادة ؛ لذلك عليه أن يتجول في القصر حتى لا يشعر بالملل وهو ينتظر دوره ..
ثم أضاف قائلا وهو يعطيه ملعقة قد سكبَ فيها قطرتين من الزيت :
"أريد منك أن تمسك الملعقة بيدك طوال تجولك بالقصر.. واحرص جيدا على ألا ينسكب الزيت في لحظة غفلة منك "
مضى الشاب مبتسما وراح يصعد ويهبط سلالم القصر مثبتا كلتا يديه على الملعقة خوفا على قطرتي الزيت وبعد مضي ساعتين عاد إلى الحكيم الذي سأله قائلا :
هل رأيت السجاجيد المنمقة بغرفة الطعام ؟
هل رأيت الحديقة الجميلة بغريب أزهارها التي استغرق تنسيقها سنوات ..وسنوات..؟
هل رأيت أروقة مكتبتي الرائعة..؟
كان الشاب مرتبكا وهو يعترف بأنه لم ير شيئا مما تلفظه الحكيم لأن تركيزه كان منصبا على قطرتي الزيت اللتين عهد له بهما ..
فابتسم الحكيم وهو يأمره أن يجدد جولته بالقصر قائلا
"عليك أن تتعرف على عجائب قصري جيدا حتى ترى عالمي الخاص ؛فكيف لك الوثوق برجل تجهل خبايا بيته..؟!"
اطمأن الشاب أكثر ..وأخذ الملعقة ومضى يتجول من جديد بين جنبات القصر ليكتشف العجب العجاب منتبها هذه المرة لكل النفائس التي أذهلته ..من روائع تزين الجدران، إلى حدائق منمقة بغريب الأزهار ..وتأمل الجبال والوديان المحيطة بالقصر وروعة إتقان البنيان الذي استقام بمنظره المتفرد ..
وعند عودته للحكيم روى له ما رآه بالتفصيل ..
"ولكن أين قطرتا الزيت اللتان عهدت لك بهما "..قال الحكيم وهو يبتسم
فانتبه الشاب إلى الملعقة ليجدها فارغة ..وقد أضاع محتواها دون أن ينتبه
فقال الحكيم: "تلك هي النصيحة الوحيدة التي أردتك أن تستخلصها بنفسك حتى تقف على سر السعادة
فعليك أن تجوب الدنيا مستمتعا بجمالها دون أن تنسى قطرتين اثنتين لو سهوت عنهما لخسرت الدنيا بما فيها ..ومن فيها ودفنت بيديك ورد السعادة قبل أن تستمتع بعبقه
فالدين والأخلاق هما سر السعادة الحقيقي وبهما تستطيع أن تصير سيد الكون وبدونهما لن ينفعك مال.. ولا بنون"
ودع الشاب الحكيم شاكرا ..وهو يبتسم في قرارة نفسه إذ أدرك بأن سر السعادة كنز ينام بأعماقه مذ أدرك ..دون أن ينتبه