غيبوبة شعر : د. جمال مرسي ماذا دَهَاكْ ؟! أَهِيَ النِّهايَةُ لَوَّحَت بِيَمِينِهَا أم طَوَّقَت شَمسَ الغُرُوبِ يَدَاكْ ؟ عَينَاكَ فِي الأُفْقِ البَعِيدِ ، و ضَوءُ نَجمِكَ خَافِتٌ و القَلبُ مُرتَعِشٌ عَلَى كَفِّ انتِظَارِكَ للذي يَأتِي يَقِيناً بَعدَ يَومٍ رُبَّمَا ، أو بعدَ ثَانِيَةٍ ، و ما .. زَوَّدتَ رَاحِلَةَ الخُلُودِ بِغَيرِ مَاءِ الشِّعرِ ، سَطَّرَ فِي كِتَابِ العُمرِ بَعضاً مِن رُؤَاكْ . هُم تَارِكُوكَ عَلَى بِسَاطِ الرِّيحِ وَحدكَ حَيثُ تَأخُذُكَ المَسَافةُ لِلمَسَافةِ و الرَّحِيلُ إِلى النَّعِيمِ أو الهَلاكْ . يا أَيُّهَا الجَسَدُ المُسَجَّى بِالدُّمُوعِ و بِالعَرَقْ : مَا لِي أَرَى أَنهَارَكَ اللا تَعرِفُ الخَوفَ اْستَكَانَت لِلغَرَقْ ؟ و بَنَفسَجَاتٍ طَالَمَا أَبَتِ الذُّبُولَ الآنَ تَذوِي ، بَعثَرَتْهَا الرِّيحُ فِي كُلِّ اْتِّجَاهٍ لَم تَدَع فِي جِسمِكَ المَهزُولِ بَعضاً مِن شَذَاكْ . تَقتَاتُ مِن عُشبِ الرَّحِيلِ الآنَ وَحدَكَ يَرتَعُ الفَيْرُوسُ فِي نَعنَاعِ قَلبِكَ ، يَحتَسِي البُنَّ " المُحَوَّجَ " مِن دِمَاكْ. فَتَغِيبُ عَن هَذَا الوُجُودِ سُوَيْعَةً و تُفِيقُ ، صَوتُ أَبِيكَ فِي أُذُنَيكَ ، أَطيَافٌ أَمَامَكَ كَالفَرَاشَاتِ المُزَركَشَةِ ، اْحتِضَارُكَ لَيسَ يَمنَعُهَا بِأَن تَأوِي إِلَيكَ ، لِنُورِ مِصبَاحٍ تَدَلَّى مِن خَيَالِكَ ، رُوحُ أُمِّكَ وَحدَهَا تَنثَالُ نُوراً مِن نَوَافِذِ غُرفَةٍ غَجَرِيَّةٍ و يَمِينُهَا تَمتَدُّ نَحوَكَ كَي تُجَفِّفَ مَا تَصَبَّبَ مِن جَبِينِكَ ، سَاعَةٌ فَوقَ الجِدَارِ تَسَلَّلَت مِنهَا العَقَارِبُ لِلسَّرِيرِ و " زُخمَةُ " الشَّيخِ المُعَلِّمِ لَم تَزَل تَقفُو خُطَاكْ . يَا أَيُّها الطِّفلُ الشَّقِيُّ : أَمَا حَفظتَ "الفَجرَ" و "الفُرقَانَ" بَعدُ ؟ ، أَلَم تَحُلَّ الوَاجِبَ اليَومِيَّ بَعدُ ؟ ، أَلَم تَزَل مُتَعَثِّراً فِي جَدوَلِ الضَّربِ الذي عُلِّمتَ بَعدُ ؟ ، لأَضرِبَنَّكَ بِالعَصَا فِهيَ الجَزَاءُ لِمَن عَصَى فَتَفِرُّ مِن فَزَعٍ إلى أَحضَانِ أمِّكَ هَل تَفِرَّ اليَومَ مِمَّن قَد أَحَاطَكَ بِالشِّبَاكْ . قَد صَارَ أَقرَبَ مِن رَفِيفِ الهُدبِ ، أَقرَبَ مِن شَرِيطِ الذِّكرَيَاتِ ، و مِن مَحَالِيلِ الطَّبِيبِ و حُقنَةِ التَّخدِيرِ تَسرِي فِي الوَرِيدِ تَغِيبُ عَن دُنيَا الهُمُومِ هُنَيْهَةً عَن دَمعِ أَطفَالِ العِرَاقِ ، حِصَارِ غزةَ ، جُوعِ إِفرِيقيَا ، زَلازِلَ بِنجِلادشَ ، تَستَفِيقُ عَلَى دَوِيٍّ هَائِلٍ ، أَبوَاقِ إِسعَافٍ ، و جَرحَى ، و انشِغَالٍ عَنكَ فَاْصمُتْ إِنَّهُ المَوتُ الذي قَد جَاءَ يُنذِرُ بِالغِيابِ اْلآنَ يَلقَاهُم هُنَاكْ . و تَظَلُّ وَحدَكَ سَابِحاً و مُسَبِّحاً عَينَاكَ فِي الأُفقِ البَعِيدِ و ضَوءُ نَجمِكَ خَافِتٌ و غُيُومُ ذِكرَى الأَمسِ قَد غَطَّت سَمَاكْ . للاستماع