إنه إفلاس متعدد على المستوى النفسي والاجتماعي ، وأشدهم على نفسية البطل هو فراغ الجيب الذي يدل على الفقر المدقع والبطالة ... عوامل خلقت صورا مشتتة على رقعة حياة مثقوبة، بل لوحات تتعدد فيها ألوان المعاناة، قوامها الاغتصاب والتسول ، والدعارة والمجون..وضعية قد تشمئز منها النفس وتضطرب لها الجوارح ، فكأني بالسارد يطرح سؤلا ضمنيا : لمن نحمل المسؤولية؟ تاركا فرصة للقارئ أن يتعامل مع هذه الوضعية المزرية بالفكر والعقل والدين والأخلاق ...وضعية قد تكون تتشابه فيها مجتمعات معينة ما زال أفرادها يحنون إلى الانتشاء برائحة الفحش والتسيب والفوضى وخلق الفتن والحروب من أجل زعزعة أمن البلاد تحت غطاء الحضارة العصرية التي بنيت على المصالح الاقتصادية وإنهاك الأوطان..
إنه التفسخ بجميع أشكاله وكأن مصائب الدنيا تكالبت على هذا البطل البائس .. فهو لم يصنع هذه الحياة بيده بل صنعها له آخرون ، فأبسط ما يقدمون له هو الشتم والسب مما دفعه إلى الانعزال والهروب ، قد تكون الضباع أرحم لما تمزقه وتجعله أشلاء متناثرة .. بطل فقد كل شيء ، فماذا تبقى له؟ سوى إنهاء حياته بنفسه.
على مستوى البناء الفني للقصة ، قد نتخيل أن السارد قال كل شيء ، والواقع نجده قدم لنا صورا صامتة معبرة وناطقة من تحت الألوان، نقرأها بحسنا وشعورنا لكي نحدد موقفنا منها، لنميز بين المتخاذل والمتواطئ والانتهازي والوصولي والمواطن الحقيقي .. فقد بني سرده على متواليات سردية تنبض بإيقاعات جاءت على شكل التماعات توقظ العقل وتدغدغ النفس والذات منها : هي زوجته، / هو ابنه /هم والداه/هم أصدقاؤه/هي ابنته/ هو بيته/..هذا هو / فبعد سرد الحالة يأتي الضمير ليجعل الحدث قائما داخل صورة حقيقية شاهدا على الجرم والتشظي والتشرذم والتبعثر الأسري . وهي فنية أدبية أعطت للنص قوته ومنحته محفزات قوية للتأثير والتأثر في القارئ .
نص يعبر عن مقطع من حياة أسرة طالها الظلم والطغيان ،مقطع قد يبدو ضيقا ومحصورا في مكان معين وزمان معين ، لكن هذا المقطع من الممكن أن يكون دعامة لرواية تاريخية أوسع وأشمل، تتشابه أحداثها في كل المناطق التي يشملها التناحر الطائفي العبثي من أجل الاستغناء والتفرد بالسلطة ومآرب أخرى .
استعمل السارد الجملة التالية / الصور المستقبلية/ ولم يقل /الصور الماضية أو الحاضرة / فكأن البطل يرى أنه عاين الوقائع في الحاضر وهو متأكد أنها لا نهاية لها وسوف تستمر في المستقبل بأشكال مختلفة.لأنها تتكرر كل يوم وكل سنة ..
إفلاس /عنوان منتزع من رحم النص ،لم يقتصر على مفهوم ضياع المال ،بل يشمل ضياع عدة مقومات تنبني عليها الحياة ، فقد أفلس الإنسان وأبلس حين نكل بأخيه الإنسان على المستوى النفسي والجسمي والاجتماعي .... فرغم أن هذه الجملة التالية/ المصاب بفايروس الإفلاس,/تكررت كلمة " إفلاس/ في النص ،فإننا يمكن اعتبارها كاشفة لجانب من دلالة العنوان..ومع ذلك يبقى العنوان مختارا بعناية ،معلقا في سقف النص كنور دوار يضيء مساحات معينة من جسد النص.
نص كبير وعميق ،لا يعرض المشاهد وكفي ، فالسارد يلتقط الأهم من الأحداث فقط ليجعلنا في خضم وقبح ظلم الإنسان لأخيه الإنسان ، وسلوكه المشين الذي يستفز القارئ، لذلك ارتكز السارد على ما يثير شعورنا لهول المصيبة وفداحة ما تولد من اختلال على المستوى الأخلاقي والديني .
هكذا قرأت هذا النص الجميل والمؤلم آخي المبدع المتألق مشتاق عبد الهادي ..
دمت مبدعا .. مودتي وتقديري .