في رحاب الأندلس
عدت من العمل باكرا بعد أن أحسست بإرهاق مميت لعلّ سببه الجهد الكبير الذي أبذله في تفحص الملفّات والتدقيق في الحسابات.
فتحت باب المنزل في عجالة وفكري صوب الأريكة حيث رميت بجسدي المنهك على زاوية من زواياها وقد تعانقت الجفون و أحسست بنعاس خرافي ، ربما هو مفعول حبة الأسبرين ....
لم أفق إلاّ بعد سماع جرس الباب،كان إبني العائد من المدرسة تذكرت حينها وقت الغداء وضرورة تحضير مائدة الطعام.اتجهت نحو غرفتي لتغيير ملابس العمل استعدادا لاستلام دور اجتماعي من نوع آخر،لعلّه أصعب من الأول.
وبعد الإنتهاءمن الطّعام نظّفت المطبخ وغسلت الأواني وفي نيتي عدم الذهاب إلى العمل بعد الظهر .لا أخفيكم أنّني منذ أيام و أنا أحلم بقيلولة تنسيني عناءالعمل وهواجس الحياة..
فجأة فتحت الريح الباب المطلّ على الحديقة فأوقعت مجموعة من الكتب من فوق مكتبي، رفعتها من على الأرض و أعدتها مكانها إلاّ كتابا واحدا ظلّ بيدي و أسرعت لغلق الباب تحسبا لكارثة أخرى فوقعت عيني على كرسي والدي هناك بالحديقة وقد كان يتأرجح ،مازلت أراه يجلس عليه في سكون والكتاب بيده وقد خلق لنفسه عالما ما كنّا ندري أنذاك كنهه إلاّ بعد حين . لقد عاد بي الزمن إلى مرحلة من أجمل مراحل عمري ودون وعي منّي أردت أن أعيش تلك اللحظة ، فجلست على الكرسي غيرمبالية بالرياح والكتاب لا يزال بيدي،وبينما أنا كذلك حتى سمعت مناد يصرخ بأعلى صوته وهو يدعو جميع الشعراء إلى قصر ولادة بنت المستكفي والتي دعتهم لمنافسة شعرية.
فقلت في نفسي هي فرصةلأتعرف على ملهمة ابن زيدون. وقد تمثلت لي أميرة عربية قرشية ،واحدة زمانها،بشرتها ناعمة بيضاء وشعرها أصهب وعينيها الزرقاوين فزاد فضولي لرؤيتها. يقال ورثت هذا الجمال من أمّها الجارية الإسبانية،ثم هي فرصة ثمينة لأمتّع نظري بطبيعة الأندلس والتي وهبها الله طبيعة ساحرةووافرة الجمال،بجبالها وسهولها وحدائقها الغنّاء والطيور فوق الأفنان تزيد اللوحة جمالا بتغريدتها وقد هامت بها النفوس وشغفت بها القلوب حتى نظموا فيها وفي خمائلها دررا.وتغنوا بقصورها .
فبتّ ليلتها أنظم قصيدة لتكون مفتاح ولوجي القصر وما إن فتحت باب حديقة القصر حتى أحسست بألم برأسي كانت الرياح مرة ثانية قد أوقعت مزهرية كانت على الرّف فلامسني جزء منها لحسن حظي فاستيقظت من غفوتي والكتاب لا يزال بيدي عرفت حينها انّها القيلولة التي حلمت بها .فقد غفوت و أنا أقرأ قصيدة لابن زيدون:
أضحى التنائي بديلا من تدانينا***وناب عن طيب لقيانا تجافينا
ابتسمت ابتسامة عريضة وتمنيت لو أنّ سقوط المزهرية أمهلني بضعة لحظات لكنت رأيت ولاّدة ....
بقلم ليلى بن صافي