السّكري
بدأت خيوط الفجر تتسلل لغرفته من الشباك المطل على حديقة الدار وهو يجلس خلف منضدته وعلى كرسيه الهزاز, نهض وأزاح الستارة عن الشباك ليشاهد زوجته كعادتها ترتب زهور الحديقة وتعدل ارصفتها,ذهب إلى المطبخ لياخذ لنفسه كوباً من الشاي ويشعل سيجارته الأولى التي لا تنطفئ بعدها.ومن خلف شباك المطبخ المفتوح نادته ..تعال يا أحمد فالهواء ورائحة الزهور منعشة هنا ...
خرج وهو يحمل معه الكرسي الذي وجده امامه وأتخذ زاوية من حديقة الدار وراح يتأملها بصحبة دخان سيكارته .. وهي منشغلة بنبش التربة وترتيب الزهور,بعدها عادت مسرعة للداخل حين سماعها صوت الهاتف النقال,نمى لسمعه وهي ترحب بأبنتها وراحت تسألها عن كل صغيرة وكبيرة..
ذهب ليغلق حنفية الماء التي نستها لسقي الزهور! وعاد لكرسيه ليذهب في اغفاءة....
بين الحلم واليقظة كانت الصور تتدحرج امامه فمنذ خطوبته ومعرفته لها إلى يوم الزواج حيث متعة البدايات ،وعادت به الذكريات للولادات الأولى للأولاد والبنات ولا زالت حية في أذنيه صخب البنات وشقاوة الأولاد ,البنات تزوّجن والأولاد كذلك..فغزى البيت الصمت وغادرته الروح,أما الزوجة متعتها الحديث اليومي الطويل وبالتفصيل الممل مع البنات...
اعاده لليقظة صوتها من داخل المطبخ
-احمد أتتغدى !!حسناً سأترك لك الغداء جاهز وساذهب للنوم....
نهض كمن يؤدي واجبه لمعدته..وبعد أن فرغ من طعامه.. نظر للجدران الصماء والأرائك الخرساء ,دخل غرفته يجر صمته ليفرغه على الوسادة ......
القصي
15-8-2018