آخر 10 مشاركات
العلة في العروض(علل الزيادة) (الكاتـب : - )           »          الزحاف الجاري مجرى العلة في القصيدة (الكاتـب : - )           »          اللَّهمَّ صلِّ على سَيِّدِنا محمد (الكاتـب : - آخر مشاركة : - )           »          سجل دخولك بنطق الشهادتين (الكاتـب : - آخر مشاركة : - )           »          دمـوعٌ خـرســــــــــاء .. !!!!! (الكاتـب : - )           »          محبك في ضيق..وعفوك اوسع ... (الكاتـب : - )           »          الزحاف المركب ( المزدوج) في العروض (الكاتـب : - )           »          الزحاف المفرد في العروض (الكاتـب : - )           »          أسماء القافية باعتبار حركات ما بين ساكنيها (الكاتـب : - )           »          في السماء بلا حدود (الكاتـب : - )



العودة   منتديات نبع العواطف الأدبية > نبع الزمان > اختيارات أدبية > من قصص الشعراء،المحاكمات الأدبية

الملاحظات

الإهداءات
عواطف عبداللطيف من أهلا وسهلا : بالشاعر خالد صبر سالم على ضفاف النبع يامرحبا منوبية كامل الغضباني من من عمق القلب : سنسجّل عودة الشاعر الكبير خالد صبر سالم الى منتدانا ************فمرحبا بالغائبين العائدين الذين نفتقدهم هنا في نبع المحبّة والوفاء وتحية لشاعرنا على تلبية الدّعوة

 
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 08-28-2010, 06:14 PM   رقم المشاركة : 1
عضو مجلس إدارة النبع
 
الصورة الرمزية سمير عودة






  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :سمير عودة غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
 
0 مجبولة بالحزن
0 الليل دونك
0 نار الوحدة

قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي المحكمة الأدبية رقم ( 14) للمتنبي

المتنبي
915-965 م

أنا خلاصة الثقافة العربية الإسلامية في النصف الأول من القرن الرابع للهجرة. هذه الفترة كانت فترة نضج حضاري في العصر العباسي ، وهي في الوقت نفسه كانت فترة تصدع سياسي وتوتر وصراع عاشها العالم العربي . فالخلافة في بغداد انحسرت هيبتها والسلطان الفعلي في أيدي الوزراء، وقادة الجيش ومعظمهم من الأعاجم، ثم ظهور الدويلات والإمارات المتصارعة في بلاد الشام ، ثم تعرض الحدود لغزوات الروم والصراع المستمر على الثغور الإسلامية ثم الحركات الدموية في داخل العراق كحركة القرامطة وهجماتهم على الكوفة.
لقد كان لكل وزير ولكل أمير في الكيانات السياسية المتنافسة مجلس يجمع فيه الشعراء والعلماء يتخذ منهم وسيلة دعاية وتفاخر ثم هم وسائل صلة بين الحكام والمجتمع بما تثبته وتشيعه من مميزات هذا الأمير وذلك الحاكم ، فمن انتظم في هذا المجلس أو ذاك من الشعراء أو العلماء يعني اتفق وإياهم على إكبار هذا الأمير الذي يدير هذا المجلس وذاك الوزير الذي يشرف على ذاك. والشاعر الذي يختلف مع الوزير في بغداد مثلا يرتحل إلى غيره فإذا كان شاعرا معروفا استقبله المقصود الجديد، وأكبره لينافس به خصمه أو ليفخر بصوته.
كانت نشأتي في هذا العالم المضطرب المتناقض الغارق في صراعه الاجتماعي والمذهبي وقد وعيت بذكائي ألوان هذا الصراع وقد شاركت فيه وأنا صغير، وانغرست في نفسي مطامح البيئة فبدأت آخذ عدتي في أخذي بأسباب الثقافة والشغف في القراءة والحفظ. وقد رويت عني أشياء لها دلالاتها في هذه الطاقة المتفتحة التي سيكون لها شأن في مستقبل الأيام والتي ستكون عبقرية الشعر العربي. قيل إنني كنت أتعلم في كتاب كان يتعلم فيه أولاد أشراف الكوفة دروس العلوية شعرا ولغة وإعرابا. وروي أني اتصلت في صغري بأبي الفضل بالكوفة، وكان من المتفلسفة،. وروي أنني كنت سريع الحفظ، وأنني حفظت كتاباً نحو ثلاثين ورقة من نظرتي الأولى إليه، وهذا طبعاً مبالغة كبيرة.
ولم أستقر في موطني الأول الكوفة وإنما خرجت برحلتي إلى الحياة خارج الكوفة وكأنني أردت أن أواجه الحياة بنفسي لأعمق تجربتي فيها بل لأشارك في صراعاتها الاجتماعية التي قد تصل إلى أن يصطبغ لونها بما يسيل من الدماء كما اصطبغ شعري وأنا صبي . . وقد أدركت أن مواجهة الحياة في آفاق أوسع من آفاق الكوفة تزيد من تجاربي ومعارفي فخرجت إلى بغداد أحاول أن أبدأ بصراع الزمن والحياة قبل أن يتصلب عودي، ثم خرجت إلى بادية الشام ألقى القبائل والأمراء هناك، وأتصل بهم وأمدحهم فتقاذفتني دمشق وطرابلس واللاذقية وحمص.
وكنت في هذه الفترة أبحث عن فردوسي المفقود، وأهيئ لقضية جادة في ذهني تلح عليّ، ولثورة حاولت أن أجمع لها الأنصار، وأعلن عنها في شعري تلميحاً وتصريحاً حتى أشفق علي بعض أصدقائي وحذروني من مغبة أمري، وقد حذرني أبو عبد الله معاذ بن إسماعيل في اللاذقية، فلم أستمع له وإنما أجبته مصراً:


أبـا عبـد الإلـه معاذ أني = خفي عنك في الهيجا مقامي
ذكرت جسيـم ما طلبي وأنا = تخاطر فيـه بالمهج الجسام
أمثلـي تـأخذ النكبات منـه = ويجزع من ملاقاة الحمام ؟
ولو برز الزمان إلى شخصا = لخضّبَ شعر مفرقه حسامي

إلا أنني لم أستطع تنفيذ ما طمحت إليه. وانتهى بي الأمر إلى السجن. سجنني لؤلؤ والي الأخشيديين على حمص بعد أن أحس مني بالخطر على ولايته، وكان ذلك ما بين سنتي 323 هـ ، 324 هـ .

رحلة البحث:
خرجت من السجن منهك القوى . . كان السجن علامة واضحة في حياتي، وكان جداراً سميكا اصطدمت به آمالي وطموحاتي، وأحسست بأنني لم أستطع وحدي أن أحقق ما أطمح إليه من تحطيم ما يحيط بي من نظم، وما أراه من فساد المجتمع. فأخذت في هذه المرحلة أبحث عن نموذج الفارس القوي الذي أتخذ منه مساعداً على تحقيق طموحاتي، وعلى بناء فردوسي. وعدت مرة أخرى أعيش حياة التشرد والقلق، وقد ذكرت كل ذلك في شعري. فتنقلت من حلب إلى إنطاكية إلى طبرية حيث التقيت ببدر بن عما سنة 328 هـ، فنعمت عند بدر حقبة، وكنت راضياً مستبشراً بما لقيته عنده من الراحة بعد التعب، والاستقرار بعد التشرد، إلا أنني أحسست بالملل في مقامي، وشعرت بأنني لم ألتق بالفارس الذي كنت أبحث عنه والذي يشاركني في ملاحمي، وتحقيق آمالي. فعادت إلي ضجراتي التي كانت تعتادني، وقلقي الذي لم يبتعد عني، وأنفت حياة الهدوء إذ وجدت فيها ما يستذل كبريائي. فهذا الأمير يحاول أن يتخذ مني شاعرا متكسبا كسائر الشعراء، وأنا لا أريد لنفسي أن أكون شاعر أمير، وإنما أريد أن أكون شاعراً فارساً لا أقل عن الأمير منزلة. فلم يفقدني السجن كل شيء لأنني بعد خروجي منه استعدت إرادتي وكبريائي إلا أن السجن كان سبباً في تعميق تجربتي في الحياة، وتنبيهي إلى أنه ينبغي أن أقف على أرض صلبة لتحقيق ما أريده من طموح. لذا فقد أخذت أفقاً جديداً في كفاحي. وأخذت أبحث عن نموذج الفارس القوي الذي يشترك معي لتنفيذ ما أرسمه في ذهني.
أما بدر فلم يكن هو ذاك، ثم ما كان يدور بين حاشية بدر من الكيد لي، ومحاولة الإبعاد بيننا مما جعلني أتعرض لمحن من الأمير أو من الحاشية تريد تقييدي بإرادة الأمير، وكنت أرى ذلك استهانة وإذلالاً عبرت عنه بنفس جريحة ثائرة بعد فراقي لبدر متصلاً بصديق لي هو أبو الحسن علي ابن أحمد الخراساني في قولي:



لا افتخار إلا لمن لا يضام = مدرك أو محارب لا ينام

وعدت بعد فراقي لبدر إلى حياة التشرد والقلق ثانية، وعبرت عن ذلك أصدق تعبير في رائيتي التي هجوت بها ابن كروس الأعور أحد الكائدين لي عند بدر.
وبقيت باحثاً عن أرضي وفارسي غير مستقر عند أمير ولا في مدينة حتى حططت رحالي في إنطاكية حيث أبو العشائر ابن عم سيف الدولة سنة 336 هـ وعن طريقه اتصلت بسيف الدولة سنة 337 هـ وانتقلت معه إلى حلب.
في مجلس هذا الأمير وجدت أفقي وسُمعَ صوتي، وأحسست بأنني عثرت على نموذج الفروسية الذي كنت أبحث عنه، وسيكون مساعدي على تحقيق ما كنت أطمح إليه. فاندفعت مع سيف الدولة أشاركه في انتصاراته. ففي هذه الانتصارات أبدعت بملاحمي الشعرية. واستطعت أن أرسم هذه الحقبة من الزمن وما كان يدور فيها من حرب أو سلم. فيها تاريخ واجتماع وفن. فانشغلت انشغالاً عن كل ما يدور حولي من حسد وكيد، ولم أنظر إلا إلى صديقي وشريكي سيف الدولة. فلا حجاب ولا واسطة بيننا، وكان سيف الدولة يشعر بهذا الاندفاع المخلص مني. وكان هذا كبيراً على حاشية الأمير .
وكنت أزداد اندفاعاً وكبرياء واحتقاراً لكل ما لا يوافق هذا الاندفاع وهذه الكبرياء . . وفي حضرة سيف الدولة استطعت أن ألتقط أنفاسي، وظننت أنني وصلت إلى شاطئي الأخضر، وعشت مكرماً مميزاً عن غيري من الشعراء. وأنا لا أرى إلى أنني نلت بعض حقي، ومن حولي يظنون أنني حصلت على أكثر من حقي. وبقيت أحس بالظمأ إلى الحياة وإلى المجد الذي لا أستطيع أن أتصور حدوده .. وسيف الدولة يحس بطموحي العظيم، وقد ألف هذا الطموح وهذا الكبرياء منذ أن طلبت منه أن ألقي شعري قاعداً وكان الشعراء يلقون أشعارهم واقفين بين يدي الأمير، واحتمل أيضا هذا التمجيد لنفسي ووضعها أحيانا بصف الممدوح إن لم أرفعها عليه . . . ولربما احتمل على مضض تصرفاتي العفوية إذ لم أكن أحس مداراة مجالس الملوك والأمراء، فكانت طبيعتي على سجيتها في كثير من الأحيان. وهذا ما كان يغري حسادي بي فيستغلونه ليوغروا صدر سيف الدولة علي حتى أصابوا بعض النجاح، وأحسست بأن صديقي بدأ يتغير علي، وكانت الهمسات تنقل إلي عن سيف الدولة بأنه غير راضٍ، وعني إلى سيف الدولة بأشياء لا ترضي الأمير وبدأت المسافة تتسع بين الشاعر وصديقه الأمير. ولربما كان هذاالاتساع مصطنعاً إلا أنه اتخذ صورة في ذهن كل منا، وأحسست بأن السقف الذي أظلني أخذ يتصدع، وظهرت مني مواقف حادة مع حاشية الأمير، وأخذت الشكوى تصل إلى سيف الدولة حتى بدأت أشعر بأن فردوسي الذي لاح لي بريقه عند سيف الدولة لم يحقق السعادة التي كنت أنشدها. وكان موقفي مع ابن خالوية بحضور سيف الدولة واعتداء ابن خالوية علي ولم يثأر لي الأمير أصابتني خيبة الأمل، وأحسست بجرح لكرامتي لم أستطع أن أحتمل فعزمت على مغادرته ولم أستطع أن أجرح كبريائي بتراجعي، وإنما أردت أن أمضي بعزمي.فكانت مواقف العتاب والعتاب الصريح، ووصل العتاب إلى الفراق. وكان آخر ما أنشدته إياه ميميتي في سنة 345 هـ ومنها:


لا تطلبن كريمــاً بعد رؤيته = إن الكرام بأسخــاهم يداً ختموا
ولا تبــال بشعر بعد شاعره = قد أفسد القول حتى أحمد الصمم

رحلة البحث مرة أخرى:

فارقت سيف الدولة وأنا غير كاره له، وإنما كرهت الجو الذي ملأه حسادي ومنافسيّ من حاشية سيف الدولة. فأوغروا قلب الأمير، فجعلني أحس بأن هنالك هوة بيني وبين صديقي يملؤها الحسد والكيد، وجعلني أشعر بأنني لو أقمت هناك فلربما تعرضت للموت أو تعرض كبريائي للضيم. فغادرت حلب، وأنا أكن لأميرها الحب، لذا كنت قد عاتبته وبقيت أذكره بالعتاب، ولم أقف منه موقف الساخط المعادي، ولذا بقيت الصلة بيننا بالرسائل التي تبادلناها حين عدت إلى الكوفة من عند كافور الإخشيدي حتى كادت الصلة تعود بيننا.
فارقت حلب إلى مصر .وفي مصر واجهت بيئة جديدة، ومجتمعاً آخر، وظروفاً اضطرتني إلى أن أتنازل في أول الأمر عما لم أتنازل عنه وأنا عند سيف الدولة . . ثم أنا عند ملك لا أحبه، ولم أجد فيه البديل الأفضل من سيف الدولة إلا أنني قصدته آملاً، ووطنت نفسي على مدحه راضياً لما كان يربطني في مدحه من أمل الولاية، وبقيت صابراً محتملاً كل ذلك. وأخذت أخطط إلى أملي الذي دفعني للمجيء إلى مصر، وأهدأ كلما لاح بريق السعادة في الحصول على أملي، وأنا حين يراودني نقيض لما أراه من دهاء هذا الممدوح الجديد ومكره تنعصر نفسي، وأحس بالحسرة على فراقي صديقي القديم. وفي هذه البيئة الجديدة أخذ الشعور بالغربة يقوى في نفسي بل أخذت أشعر بغربتين :غربتي عن الأهل والأحبة وعما كان يساورني من الحنين إلى الأمير العربي سيف الدولة، ويزداد ألمي حين أرى نفسي بين يدي أسود غير عربي إلا أنني حين أتذكر جرح كبريائي ينعقد لساني وأسكت . . وغربتي الروحية عمن حولي والتي كنت أحس بها في داخلي إحساساً يشعرني بالتمزق في كثير من الأحيان . . وبقيت على هذا الحال لا تسكتني الجائزة، ولا يرضيني العطاء. .
هكذا بدأت المسافة تتسع بيني وبين كافور . . وكلما اتسعت المسافة كثر في مجالها الحاسدون والواشون، وكلما أحسست ، ولو وهما، بأزورار كافور عني تيقظت لديّ آفاق جديدة لغربتي، وثارت نفسي وأحسست بالمرارة إحساساً حاداً.
هذه الصراحة كثيرا ما أوقعتني في مواقف حرجة، عند سيف الدولة، وهنا أيضا عند كافور، لذا صارت لي صورة الغول في نفس كافور، وبأنني المخيف الذي سينزو على ملكه إذا أعطاني ما يمكنني من ذلك، وهكذا بقيت أرغب، وألح في رغبتي، وظل كافور يداورني ويحاورني، وهو لون من الصراع الدرامي بين حاكم يحسن الاحتيال والمداورة وشاعر صريح لا يحسن من ذلك شيئا حتى وصلت إلى حالة لم أستطع بعدها أن أبقى صامتاً، وشعر كافور برغبتي في مغادرته فظن أن تشديد الرقابة عليّ وإغلاق الحدود دوني سيخيفني ويمنعني من عزمي، ويخضعني كما يفعل مع غيري من الشعراء بالترهيب حينا والذهب حينا آخر . . إلا أنه لم يعقني ذلك كله عن تنفيذ ما عزمت عليه بعد أن أحسست باليأس من كافور، ولذعني الندم على ما فعلت بنفسي في قصدي إياه . .
وعاودتني ضجراتي التي أحسست بها وأنا عند أكثر أصدقائي إخلاصا وحباً ،وبقيت أخطط للهرب، وأصر على تحدي كافور ولو بركوب المخاطر حتى وجدت فرصتي في عيد الأضحى، وخرجت من مصر، وهجوت كافور بشكل مقذع حينما قلت :


لا تشترِ العبد إلا والعصا معه=إن العبيد لأنجاسٌ مناكيدُ


الا
ضطراب واليأس:


إن تحدي سلطة كافور في هروبي وركوبي كل المخاطر، ثم هذه الطاقة المتفجرة من السخط والغضب في هجائي، كل ذلك يدل على مبلغ اليأس والندم في نفسي،وقد كنت حائراً حين فارقت سيف الدولة، وحاولت أن أمنع نفسي من التوجه إلى كافور إلا أنني رجحت أمر توجهي إلى مصر بعد إطالة فكر. وقد حاولت بأي وجه أن أشعر بالانتصار على هذه السلطة، فقد هربت وكتبت هذا الفخر بالشجاعة والفروسية في اقتحام المخاطر في طريقي إلى الكوفة:

ضربت بها التيه ضرب القمار = إمــا لهـذا وإمــا لـذا
إذا فزعت قدمتـها الجيــاد = وبيض السيوف وسمر القنا
فلمـا انحنـا ركزنـا الرماح = فـوق مكــارمننا والعمل
وبتنــا نقبـــل أسيافنــا = ونمسحها من دماء العــدى
لتـــعلم مصر ومن بالعراق = ومن بالعواصم أني الفتــى

عدت إلى الكوفة وأنا بأشد الحاجة إلى الاستقرار إلا أنني لم أستطع الإقامة فيها طويلاً، فذهبت إلى بغداد حيث مجلس المهلبي الذي يجتمع فيه جماعة من الشعراء والأدباء، وكان المهلبي يطمع بمدحي فلم يحصل إلا على زيارتي لمجلسه.فقد عزفتُ عن جو الخلاعة والمجون الذي يحيط بالمهلبي،كما أنني لم أكن أرغب في إغضاب صديقي القديم سيف الدولة لما له من عداوة مع البويهيين.كما أنني كنت أشهر من أن أمدح المهلبي لأنني أعتبر نفسي أعلى منه منزلة وأدباً.
وبقيت صامتاً حتى عن رد الشعراء الذين حرضهم المهلبي عليّ فهجوني أقذع الهجاء، فلم أجبهم، وكذلك حرض الحاتمي عليي فكانت تلك المناظرة الحاقدة التي سجلها الحاتمي في رسالته الموضحة. فكنت وقوراً حينا وحاداً أحياناً، وأغضي عن كل ذلك أواناً، وكنت مكتفياً في لقاء محبي شعري وطالبي أدبي في دار صديقي علي بن حمزة البصري.
عدت إلى الكوفة بعد أن أقمت في بغداد سبعة أشهر، وقد أردت أن أبتعد عن هذا الجو الصاخب فيها لأستقر في مكان أفكر فيه بعقد أسباب الصلة بأمير حلب. وفعلاً وصلت إليّ هداياه وأرسلت إليه شعراً ولم أطق الإقامة في الكوفة لما كان فيها من الحوادث الدموية بسبب هجوم القرامطة عليها، وقد اشتركت في الدفاع عنها. وعاودتني الرغبة إلى الرحيل إذ كنت أجد فيه متنفساً عن قلقي ولما جاءتني رغبة ابن العميد من أرجان في زيارته رحلت إليه ومنه إلى عضد الدولة في شيراز. وكانت رحلتي هذه لقتل الفراغ الذي أحسست به بعد طول معاناة ولامتصاص التمزق الذي عانيته، وكان في نفسي غرض آخر هو تقوية صلتي بعضد الدولة وذوي الجاه كابن العميد ليقوى مركزي في بغداد بل لأكون أقوى من صاحب الوزارة فيها الذي حرض من لديه من الشعراء على هجائي. وكان عضد الدولة يقيم بشيراز ويتطلع لخلافة أبيه للحكم في بغداد، وبحاجة لشاعر كبير مثلي يقدمه للناس ويعرفهم بخصاله.

وفاتي:
في طريق عودتي إلى بغداد كان مقتلي قريبا من دير العاقول 354 هـ وكان معي جماعة من أصحابي وابني محسد وغلامي مفلح اللذان قتلا معي على يد فاتك بن أبي جهل الأسدي وجماعته.

نماذج من شعري


أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي =واسمعت كلماتي من به صمم
إذا رأيت نيوب الليث بارزة =فلا تظنن أن الليث يبتسم
الليل والخيل والبيداء تعرفني =والسيف والرمح والقرطاس والقلم

********************

ومن يجعل الضرغام للصيد بازه =تصيده الضرغام فيما تصيدا
وما قتل الأحرار كالعفو عنهم =ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته =وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

****************

مدح سيف الدوله بعد معركة مع الروم


لِهَــذا اليــوم بَعــدَ غَــدٍ أَرِيـجُ =وَنــارٌ فــي العَــدُوِّ لَهــا أَجِـيجُ

تَبِيــتُ بِهــا الحَــواضنُ آمِنــاتٍ =وتَســلَمُ فــي مســالِكِها الحَجِــيجُ

فَــلا زالَــت عُـداتُكَ حَـيثُ كـانَتْ =فَــرائِسَ أَيُّهــا الأَســدُ المَهِيــجُ

عـــرَفتُكَ والصفـــوفُ مُعَبَّــآتٌ =وأَنــتَ بِغَــيرِ سَــيفِكَ لا تَعِيــجُ

ووَجــهُ البحــرِ يُعـرَفُ مـن بَعِيـدٍ =إِذا يســـجُو فكـــيف إِذا يَمُــوجُ

بــأَرضٍ تهلِــكُ الأَشــواطُ فيهــا =إذا مُلِئَــت مــنَ الـرَّكض الفُـروجُ

تُحــاوِلُ نَفسَ مَلــكِ الــرومِ فيهـا =فتَفدِيــــهِ رَعيَّتُـــهُ العُلُـــوجُ

أبــا لغَمَــراتِ تُوعدُنـا النَّصـارى =ونحــن نجومُهــا وَهِــي الـبُروجُ

وَفينــا الســيفُ حَملَتــهُ صَـدوقٌ =إِذا لاقَـــى وغارتـــهُ لَجُـــوجُ

نُعَـــوِّذهُ مِــنَ الأعيــانِ بأسًــا =ويَكــثُرُ بِالدعــاءِ لــهُ الضجـيجُ

رضِينــا والدُمُســتُقُ غَــيرُ راضٍ =بِمَــا حَــكَمَ القَــواضِبُ والوَشِـيجُ

فــإن يُقــدِم فقــد زُرنـا سَـمَندو =وإِن يُحجـــمْ فمَوعِدُنـــا الخــلِيجُ

****************

قصيدة على قدر أهل العزم تأتي العزائم


على قدر أهل العزم تأتي العزائم =وتأتي على قدر الكرام المــكارم
وتعظم في عين الصغير صغارهــــا =وتصغر في عين العظيم العظائـــم
يكلف سيف الدولة الجيش هـــــمه =وقد عجزت عنه الجيوش الخـــضارم
ويطلب عند الناس ما عند نفســـه =وذلك ما لا تدعيه الضراغـــــــم
يفدي أتم الطير عمراً سلاحــــــه =نسور الفلا أحداثها والقشاعــــم
وما ضرها خلق بغير مخالـــــــب =وقد خلقت أسيافه والقوائــــــم
هل الحدث الحمراء تعرف لونـــها =وتعلم أي الساقيين الغمائـــــم
سقتها الغمام الغر قبل نزولـــه =فلما دنا منها سقتها الجماجـــم
بناها فأعلى والقنا يقرع القنـا =وموج المنايا حولها متلاطــــــم
وكان بها مثل الجنون فأصبحــــت =ومن جثث القتلى عليها تمائــــم
طريدة دهر ساقها فرددتهـــــــا =على الدين بالخطي والدهر راغــم
تفيت الليالي كل شيء أخذتـــــه =وهن لما يأخذن منك غـــــــوارم
إذا كان ما تنويه فعلاً مضارعـــاً =مضى قبل أن تُلقى عليه الجــوازم
وكيف ترجي الروم والروس هدمــها =وذا الطعن أساس لها ودعائـــــم
وقد حاكموها والمنايا حواكــــم =فما مات مظلوم ولا عاش ظالـــــم
أتوك يجرون الحديد كأنـــــــما =سروا بجياد ما لهن قوائـــــــم
إذا برقوا لم تعرف البيـــــــض =منهم ثيابهم من مثلها والعمائـم
خميس بشرق الأرض والغرب زحفــــه =وفي أُذن الجوزاء منه زمـــــازم
تجمع فيه كل لسن وأمــــــــــةٍ =فما يفهم الحداث إلا التراجــــم
فلله وقت ذوب الغش نــــــــاره =فلم يبق إلا صارم أو ضبــــــارم
تقطع ما لا يقطع الدرع والقـــنا =وفر من الفرسان من لا يـــــصادم
وقفت وما في الموت شك لواقــــف =كأنك في جفن الردى وهو نائــــم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمــــــةً =ووجهك وضاح وثغرك باســـــــــم
تجاوزت مقدار الشجاعة والنهـــى =إلى قول قومٍ أنت بالغيب عالـــم
ضممت جناحيهم على القلب ضــــمة =تموت الخوافي تحتها والقـــوادم
بضرب أتى الهامات والنصر غائــب =وصار إلى اللبات والنصر قـــادم
حقرت الردينيات حتى طرحتـــــها =وحتى كأن السيف للرمح شاتـــــم
ومن طلب الفتح الجليل فإنــــما =مفاتيحه البيض الخفاف الصــوارم
نشرتهم فوق الأحيدب كلـــــــــه =كما نثرت فوق العروس الدراهـــم
تدوس بك الخيل الوكور على الذرى =وقد كثرت حول الوكور المطاعـــم
تظن فراخ الفتخ أنك زرتــــــها =بأماتها وهي العتاق الصـــــلادم
إذا زلقت مشيتها ببطونهـــــــا =كما تتمشى في الصعيد الأراقــــم
أفي كل يوم ذا الدمستق مقــــدم =قفاه على الإقدام للوجه لائـــــم
أينكر ريح الليث حتى يذوقـــــه =وقد عرفت ريح الليوث البهائـــم
وقد فجعته بابنه وابن صهـــــره =وبالصهر حملات الأمير الغواشــــم
مضى يشكر الأصحاب في فوته الظبـى =لما شغلتها هامهم والمعاصـــــم












التوقيع

نحنُ يا سيدتي
ندّانِ...
لا ينفصلان

https://msameer63hotmailcom.blogspot.com/
آخر تعديل شاكر السلمان يوم 07-15-2011 في 12:19 PM.
  رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
المحكمة الأدبية رقم ( 7 ) للفرزدق سمير عودة من قصص الشعراء،المحاكمات الأدبية 7 08-18-2011 05:29 PM
المحكمة الأدبية رقم ( 13) للبحتري سمير عودة من قصص الشعراء،المحاكمات الأدبية 13 07-29-2011 04:52 PM
المحكمة الأدبية رقم ( 6 ) لـ عمر بن أبي ربيعة سمير عودة من قصص الشعراء،المحاكمات الأدبية 2 08-21-2010 10:57 PM
المحكمة الأدبية رقم ( 5 ) لـ كثير عزة سمير عودة من قصص الشعراء،المحاكمات الأدبية 2 08-18-2010 05:48 PM


الساعة الآن 09:02 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.9 Beta 3
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
:: توب لاين لخدمات المواقع ::