لقاء النوارس
ما بين رفضه لتلك ورفض تلك له , ظل مجيد يدور في أروقة الرغبة الملحة للزواج بملل . ذوقه الرفيع وثقافته اللافتان , لم يأتيا عن تعلـّم عال . شهادة المرحلة الابتدائية زرعت شبابه العشريني , بين أدوات البناء ( الكرك , الـﭽمـﭽة , الطاسة , ال.... ) , دون أن تثمر شجرته التي نمت بين أكياس الاسمنت وأكوام الرمل . استنجد يوما بصفحة التواصل الاجتماعي الالكترونية علّه يجد ضالته . دخل الصفحة بعنوانات كاذبة .
الاسم : مثنى الحلو .
العمر : خمسون عاماً .
الشهادة : جامعية .
اختار أجمل ما في باقات الورد لتحل مكان صورته في الصفحة . اختلفت إليه طلبات الصداقة من كلا الجنسين . لا اعجابا باسمه أو لون الورد أو العمر , بل لعسل الكلام الذي يبثه كل يوم . راح يؤكد ما يشاء ويرفض ما يشاء من الصداقات .
استوقفه يوما طلب باسم ( النورس ) . سمع مجيد لهذا الاسم رنّة من نوع خاص تشظت في مسارب جمجمته الضاجة بالعزوبية . عمرها الشبابي ومستواها الجامعي , وصورة النورس التي استعاضت بها عن صورتها الحقيقية , دفعته أن يديم معها حوارات ساخنة حتّى ساعات متأخرة من الليل . حاول مراراً استدراجها بلا فائدة كي تفرط له بإسرارها . تولّد لديه احساس بأن كل منهما يكذب على الآخر . راح يتصيد معلوماتها من تواجدها على صفحات ( النت ) . وجدها قد أحكمت كذبها بإتقان . الشيء الوحيد الذي تشممه لها عبر الأثير بأنها أجمل مما في صورتها المعلنة .
بنى آماله على تلك ( النورس ) أن يكمل معها نصف دينه , ليُنه تعب الترحال في البحث عن شريكة الحياة التي غيّبها الحظ .
ما شدّه اليها هو رغبتها في حوار رجل يكبرها بالسن ثلاث مرات . حوار يشبه هذيان العاشقين . عاش في ذهن مُشتت . كيف له أن يراها كما هي .
رنَّ هاتفها يوماً :
_ الو ..منو ..
ــ ضيف لديك ينتظرك في حديقة الجامعة !!
وأغلق الخط .
حملت جسدها الخمسيني بإرباك واضح . لفت انتباه صديقاتها في المكتب . نزلت السلّم بأعصاب متنافرة ونفس تخنقه السمنة . مَنْ هذا الضيف الذي حل عليها اليوم ؟
وزّعت التفاتات عديدة في أروقة حديقة الجامعة . لم يدلّها إليه الّا باقة الورد التي كان يحملها والتي تماثل باقة الورد في صفحته الالكترونية . جلست لجواره مذهولة .
_ مَنْ مثنى الحلو .
_ لا .. مجيد !
ـــ أنت النورس ؟
_ لا ... ساميّة !!
الصدمة لوت رأسيهما الى الاسفل وهم يلعنون الكذب والكذّابين .