حروف القافية في القصيدة
بقلم مصطفى معروفي
ــــــــ
إن الحديث عن القافية في الشعر أو القصيدة بالأحرى هو حديث عن ركن من أركان الشعر و يعد أساسيا فيه،فليس من باب الصدفة أن يعرّف القدامى الشعر قائلين بأنه "هو الكلام الموزون المقفى..."لو لم تكن القافية تلعب فيه دورا محوريا لا يقل في الأهمية عن أدوار الأركان الأخرى فيه كالوزن و الخيال والعاطفة.
والقافية كان الشعراء على اختلافهم يلتزمون بها في قصائدهم،بل ويؤكدون عليها باعتبارها مقوما ضروريا من مقومات الشعر.وقد اعتنى بها علماء الشعر ونقاده وأولوها اهتماما كبيرا،فجزّؤوها وسموا كل جزء منها باسم خاص ،وحددوا حروفها،كما ذكروا العيوب التي تطرأ عليها حاثّين الشعراء على تلافيها في شعرهم،والحرص على أن تجيء قصائدهم سالمة من العيوب ومن الشوائب.
فما هي القافية أولا وقبل كل شيء؟
القافية في أحد تعاريفها هي أن تشترك الأبيات في الحرف الأخير وحركته،سواء كانت هذه الأبيات قليلة أو كانت كثيرة.
لكن هناك من يرى ـ وأنا شخصيا مع هذا الرأي ـ أن القافية إنما هي آخر حرف من البيت إلى أول حرف متحرك قبله يفصل بينهما حرف ساكن.
وأمر القافية عند الإنسان العربي أمر عجيب حقا،ويدعو إلى تقدير عبقريته وتعظيم نباهته،فالأمية كانت سائدة والثقافة كانت شفوية ،وللتغلب على هذا المشكل ولأجل مساعدته على الحفظ و إعانته على تداول ماعنده من أفكار و عواطف تصديرا أو استيرادا وجد في القافية وسيلة ناجعة تحقق له هذا الهدف.
ومما أغرى الإنسان العربي بالقافية وزاده تحمسا لها هو طبيعة اللغة العربية من حيث غناها اللفظي والاشتقاقي,فقد كان لا يعوز هذا الإنسان ولا يعجزه أن يجد الكلمات التي تجري على وزن واحد وتتفق مع أخوات لها في الحرف الأخير منها.وثمة ملاحظة لا بد من الإشارة إليها وهي أن أول بيت من القصيدة له سلطة متحكمة في باقيها ،ويتعلق الأمر هنا بشيئين اثنين وهما:
1 ـ بحر القصيدة أو الوزن العروضي.
2 ـ نوع القافية.
والآن لنحاول إلقاء الضوء على حروف القافية بشيء من التبسيط ودون الإخلال بما تتطلبه مصطلحات هذه الحروف من الدقة والوضوح حتى يكون القارئ ـ وخاصة ذلك الذي لم يتمرس بها وعليها ـ على بينة من أمرها.
1 ـ الروي:وهو آخر حرف صحيح في البيت ،وهو الذي تقوم عليه القصيدة وبه تنسب،فنقول مثلا قصيدة لامية إذا كان روي مطلعها هو حرف اللام،كقول السموءل:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه **فكل رداء يرتديه جميلُ
2 ـ الوصل:هو حرف مد تحقق عن إشباع حركة الروي،سواء كان هذا الحرف ألفا أو واوا أو ياء.وقد يكون هاء ساكنة أو متحركة بعد حرف الروي.
فحرف الألف مثل قول الشاعر:
إن شر النفوس نفس قنوط**تتوقى قبل الرحيل الرحيلا
وحرف الواو
مثل قول الشاعر:
ألا حبذا هند وأرض بها هند**وهند أتى من دونها النأي والبعدُ(و)
وحرف الياء
مثل قول الشاعر:
توخى حمام الموت أوسط صبيتي**فلله كيف اختار واسطة العقد(ي)
والهاء الساكنة
مثل قول الشاعر:
كلما أنّ بالعراق جريح**لمس الشرق جنبه في عمَانهْ
والهاء المتحركة بعد الروي
مثل قول الشاعر:
لبنان والخلد اختراع الله لم**يوسم بأزين منهما ملكوتهُ
3 ـ الخروج (بفتح الخاء)وهو عبارة عن حرف لين يلي هاء الوصل.
مثال ذلك قول الشاعر:
يا حسرة ما أكاد أحملها**آخرها مزعج وأولها(ا)
وقول الشاعر:
وأشرف الناس أهل الحب منزلة**وأشرف الحب ما عفَّت سرائرهُ(و)
وقول الشاعر:
من سره ألا يموت فبالعلا**خلُد الرجال وبالفَعَالِ النابهِ(ي)
4 ـ الردف:هو حرف مد يكون قبل الروي سكَن هذا الروي أو تَحرَّك.
مثاله قول الشاعر:
قولوا له روحي فداه**هذا التجني ما مداه؟
وقوله:
يا كثير الصيد للصيد العلا**قم تأمل كيف صادتك المنونْ
وقوله:
إذا نلت منك الود فالكل هين**وكل الذي فوق التراب ترابُ
ونكتفي في الردف بهذا القدر من الأمثلة.
5 ـ التأسيس:وهو عبارة عن ألف بينها وبين الروي حرف واحد صحيح لا غير.
مثال ذلك قول الشاعر:
موِّن عيونك ما استطعـ**ـتَ من البحار وأنت راجعْ
6 ـ الدخيل:وهو الحرف المتحرك الفاصل بين التأسيس والروي.
ومنه قول الشاعر:
لك يا منازل في القلوب منازلُ** أقفرْتِ أنت وهنّ منكِ أواهلُ
هذه هي حروف القافية ،وكما ترون من خلالها فقد كان الإنسان العربي يعلي من شأن الشعر ويذود عن حياضه ،فيضع له القواعد والقوانين التي تحفظ له كرامته ،وتحميه من إساءات المتطفلين عليه،بحيث كان المرء أمام هذه القواعد والقوانين لا يتجرؤ على خوضه إلا إذا كان شاعرا حقيقيا،وإلا سيقام عليه النكير ،أيما نكير.
والقافية لها عيوب لا ينبغي للشاعر الحقيقي أن يقوم بارتكابها في حق القصيدة ،وإلا سقط من عيون قارئيه،والحديث عن هذه العيوب يمكن أن نرجئه إلى فرصة أخرى قادمة بإذن الله تعالى.
والله الموفق للسداد.