في إحدى غرف بيت في قرية .
تدخل الأم و ابنتها أمينة في ملابس الحداد.
الأم ( تنادي ) : شكيب.... شكيب...
أمينة : لا داعي للنداء يا أماه. لقد هاتفني أخي شكيب و أخبرني أنه لن يكون هنا إلا عند الثامنة مساءا.
الأم : و كم تبقى من الوقت؟
أمينة ( تنظر إلى ساعة يدها ) : بقي نصف ساعة.
الأم : آآآه يا ولدي يا وحيدي.... متى تأتي لتزيح عن كاهلي هذا الهم الذي أضناني. رجائي فيك كبير يا ولدي لتثأر لمقتل والدك المسكين الذي قتل غدرا من قبل ذلك الملعون عباس.
أمينة : هوّني عليك يا أماه. سوف يحضر أخي شكيب و يقوم بكل ما تأمرين.دم أبي لن يذهب هدرا. كوني متيقنة من ذلك.
الأم : ( تجلس على أريكة ) : لا أعرف لماذا أصرّ أخوك على البقاء في تلك البلاد البعيدة و السكن بعيدا عنا..... حتى أنني لا أستطيع حفظ اسم تلك البلاد.
أمينة ( تبتسم ) : اسمها انجلترا يا أماه. ألا تستطيعين تذكر اسم بسيط و سهل كهذا؟ ألم تحضري دروس محو الأمية و بدأت تتقنين القراءة و الكتابة؟
الأم : كنت أقول أنني لا أفهم سبب مقامه في... في.... ( تحاول تذكر الاسم و لكن لا تستطيع ) تلك البلاد البعيدة مدة ستة سنوات للدراسة. و الآن ، و بعد أن حصل على شهادة عليا ، لم لا يعود إلى بلده المغرب؟ ألن يجد عملا هنا و هو حامل لتلك الشهادة؟
أمينة : بلا. و لكن أخي شكيب مصر على البقاء في انجلترا للحصول على شهادة الدكتوراه. فبعد أن حصل على الإجازة من جامعة انجليزية عريقة و الماجستير ، و حصل على وظيفة أستاذ في إحدى المدارس هناك ، لا زال يكافح للحصول على الدكتوراه و التي تمكنه من الحصول على وظيفة عالية المرتب سواء في المغرب أم انجلترا. .... و لا تنسي يا أماه انه مقدم على مشروع زواج بانجليزية مقيمة هناك.
الأم ( تقوم من الأريكة غاضبة ) : لن أسمح له بالزواج من أجنبية.... لن أسمح له...فحتى لو حصل على منصب وزير أول لن أقبل بزواجه إلا من صفية ابنة أختي عائشة.
أمينة ( تحضن أمها ) : صفية ؟؟ ألا تزالين تذكرين ذلك الموضوع؟
الأم : و لن أنساه حتى يصير حقيقة و أربي له أبنائه كما أريد.
أمينة ( مواجهة لأمها ) : ولكن يا أماه ، أنت تعلمين جيدا موقف شكيب من هذا الموضوع. هو يقدرها و يحترمها كأنها أخته. و لا ينوي الزواج بها.
الأم ( غاضبة ) : بل لن يتزوج إلا من صفية و إلا غضبت عليه دنيا و آخرة.
أمينة ( بعد صمت قصير ) : يبدو يا أماه انك نسيتي أنه سيصبح دكتورا و يلج مجتمعات مثقفة و يتحدث إلى أناس ٌ دماغهم ٌ مملوءة بأفكار كبيرة و معقدة لا قبل لصفية بها.
أمينة : ثم إن هناك موضوع غاية في الأهمية تتغافلينه عن قصد يا أماه : صفية لم تحصل إلا على الشهادة الإبتدائية و لا أحلام لها سوى الزواج و إنجاب الأولاد و تمضية كل حياتها هنا في هذه القرية الصغيرة. أما شكيب ، فعلى النقيض تماما ، هو....
الأم ( بحدة ) : أمينة ، أغلقي فمك و كفاني كلاما في هذا الموضوع. هو أمر أصدرته و لن يهدأ لي بال إلا إذا نفذه شكيب.... و سينفذه . شاء أم أبى. أما ما تتحدثين عنه بخصوص الشهادات العليا ، فلا يهمني ذلك. كل ما يهمني هو رؤية ابني شكيب أمامي متزوجا من صفية و ... ( تتذكر شيئا ) لقد نسيت شيئا مهما : تلك الأجنبية و التي تدعى ً اميلي ً ليست مسلمة. كيف تريدين أن أقبل بغير مسلمة تحت سقف بيتي؟ و كيف لي أن أتحدث معها و هي لا تفهم لغتي و لا أفهم لغتها ؟
أمينة ( تبتسم ) : إنك يا أماه تختلقين الأعذار كي تنجحين ما ترغبين فيه. اميلي اعتنقت الإسلام منذ أكثر من تسع سنوات ، أي قبل تعرفها على شكيب. أما مشكل اللغة الذي تتحدثين عنه ، فذلك ليس عائقا. هي تتكلم اللغة العربية بطلاقة.
أمينة ( مقاطعة أمها بإشارة من يدها ) : أعرف ما تودين قوله : هي لا تتكلم اللهجة المغربية . أليس كذلك؟
الأم : بالفعل ، ذلك ما قصدته ، فأنا لا أتكلم سوى اللهجة المغربية و الأمازيغية. كيف لنا أن نتفاهم و هي لن تفهم ما أقول؟
أمينة : ذلك مشكل بسيط سوف تتجاوزانه مع الأيام. فاميلي رقيقة جدا و طيبة للغاية و منفتحة على الحضارات الأخرى . و أنا متيقنة أنها ستصبح بمثابة ابنة ثانية لك في غضون أسابيع قليلة.
الأم ( بحركة من يدها ) : لن يتزوج شكيب إلا من صفية. أنا مصرة على موقفي.
أمينة : لابد أن شكيب قد وصل. سأفتح الباب.
الأم : بل أنا من سيفتح . فأنا جد متلهفة لإحتضان ابني و حبيبي شكيب.
تخرج الأم راكضة و علامات الفرح مرسومة على وجهها.
تبقى أمينة وحدها ترقب أفراد عائلتها.
تدخل الأم و هي تحضن ابنها شكيب الذي يقبل رأسها.
أمينة : مرحبا يا أخي. كيف الحال؟
شكيب ( يبتسم و ينظر إلى أمه ) : أماه ، أرجوك أن تفلتيني كي أقبل أختي أمينة.
تفلته الأم و لكنها تظل ممسكة بيده اليسرى كأنما تخشى أن يهرب بعيدا عنها. يحضن شكيب أخته.
أمينة : لسنا على خير بعد وفاة والدنا.
الأم ( غاضبة ) : والدك لم يمت يا بنت. بل قتل.
شكيب ( مستغرب ) : قتل؟ و من قتله يا أماه؟ هل قبض البوليس على القاتل؟
الأم : و من غيره : الملعون عباس.
شكيب : هل هناك أدلة على ضلوع عباس في قتل والدي ؟ هل هناك شهود على هذا الأمر؟
الأم : الأمر لا يحتاج إلى دليل أو شهود يا بني الحبيب. الكل في القرية على دراية بالعداوة التي تجمع عائلتنا و عائلة عباس. إنها عداوة ترجع إلى عهد قديم.
شكيب : أعلم قصة هذه العداوة. و لكن ذلك لا يعني أن عباس هو القاتل.
الأم ( تفلت يد ابنها و كأنما لذعتها أفعى ) : هل جئت من تلك البلاد البعيدة لتدافع عن عباس؟ هل أفهم من كلامك أنني كاذبة أو واهمة ؟ أو ربما أخرف في كلامي؟
شكيب ( يقبل يد أمه ) : حاشا لله أن أقول شيئا كهذا. كل ما قصدته أن الأمر....
الأم ( مقاطعة ) : كل ما عليك فعله هو قتل عباس الملعون و الأخذ بثأر والدك. دم أبيك لا يجب أن يذهب سدا.
شكيب : دم أبي لن يذهب سدا يا أمي. أعدك بذلك . و لكن ليس أنا من سينتقم لمقتل والدي.
الأم ( تحدق في شكيب غير مصدقة ما تسمع ) : و من سينتقم لمقتل والدك؟ ابن الجيران ؟
شكيب : هناك بوليس و هناك عدالة. سوف يتم القبض على الجاني إن عاجلا أم آجلا.
الأم : وما دورك أنت؟ ألن تثار لمقتل والدك؟ ألا يعنيك هذا الأمر؟
شكيب : بل يعنيني و أنا متلهف لمعرفة الظروف التي مات فيها والدي.
الأم : هل أفهم من كلامك أنك لن تقدم على قتل عباس؟
شكيب : ذلك من شأن البوليس . أنا لست محققا.
الأم ( تهم بالانصراف. تمسك بيدها أمينة )
أمينة : إلى أين أنت ذاهبة يا أماه؟
الأم : من الأفضل لي أن ابتعد عن هذا الشخص الغريب..... فهذا الشخص الواقف أمامي ليس بإبني. انه غريب و لا أريد التكلم إليه.
أمينة ( تلتفت إلى شكيب ) : ألا ترى أنك أغضبت أمك؟ لماذا لا تثأر لمقتل والدنا المسكين كي يرتاح في قبره و ترتاح أمي أيضا.
شكيب : هل يجب علي قتل إنسان كي يرتاح والداي؟ هناك قانون و عدالة و بوليس. و هم كفيلون بالانتقام لموت أبي..... هناك شيء مهم، سوف أذهب حالا إلى مفتش الشرطة مصطفى. هو صديقي و سوف يخبرني أين وصلت التحريات.
الأم : لا علاقة لي بالتحريات و الشرطة. ذلك شأن عائلي..... عباس قتل والدك و وجب عليك قتله كي لا نصير أضحوكة في القرية و يقول الناس أنك لم تنتقم لمقتل والدك.
شكيب ( يحاول تهدئة أمه ) : أرجوك يا أماه أن تفهميني...
الأم ( مقاطعة و بحدة ) : لا أريد أن أفهم شيئا. إما أن تقتل عباس الشيطان أو أتبرأ منك إلى يوم الدين.
أمينة : أرجوك يا أخي أن تقوم بما تأمرك به أمنا. فهي كانت جد متلهفة لمقدمك و الثأر لمقتل الوالد.
شكيب : أنت أيضا يا أمينة تنصحينني باللجوء إلى القتل؟ هل أنا قاتل محترف؟
أمينة : ولكن يجب أن تنتقم لمقتل والدك. هل تريد أن يضيع دمه هدرا و يشمت فينا العداء؟
شكيب : لا يهمني ما يقول الناس. ما يهمني هو ما ستخلص إليه تحريات الشرطة.
أمينة : و لكن الجاني و القاتل معروف للجميع. و ليس من مصلحة أحد قتل والدنا.
شكيب : إن كان ما تقولينه صحيحا فسوف يقبض البوليس على عباس و يزج به في السجن. أما إذا كان الجاني شخصا آخر و استغل العداوة بين عائلتينا لقتل والدنا فذلك ما ستكشف عنه تحريات الشرطة. و أي كان سوف يأخذ جزاءه.
أمينة : و ماذا عن أمنا المسكينة؟ إنها انتظرت قدومك على أحر من الجمر كي تثأر من عباس. كيف لها أن تتقبل هذا الأمر و هذا المنطق الذي تتكلم به؟
شكيب ( بصوت منخفض ) : يجب أن تتقبل الوضع. أنا لن أقدم على قتل أياّ كان.
أمينة : حتى لو أكدت الشرطة أن الجاني هو عباس؟
شكيب : حتى لو أكدت الشرطة أن الجاني هو عباس. سوف يدخل السجن و ينال عقابه و انتهى الأمر. أنا لن أضحي بحياتي و حريتي و مستقبلي ارضاءا لأمي. هناك قانون و عدالة و هذا هو دورها.
أمينة : لا أفهم كلامك و لا هذا المنطق الذي تتكلم به. لذلك سوف أذهب لأواسي أمنا المسكينة التي صدمت بكلامك. أما أنت ، ففعل ما تشاء.
شكيب : و أنا سوف أذهب إلى صديقي مفتش الشرطة لأسأله عن آخر ما توصل إليه في ما يخص هذه الجريمة.
( تخرج أمينة من الجهة اليمنى و شكيب من الجهة اليسرى )