بدر شاكر السياب
يعد الشاعر بدر شاكر السياب ونازك الملائكة رائدي حركة الشعر الحر في العراق والوطن العربي فقد نشر السياب قصيدته التي تقرب من شكل هذا الشعر ( هل كان حبا ؟) في ديوانه الاول " ازهار ذابلة " الذي صدر في القاهرة عام 1947.
ولادتـــهِ و حياتــه
ولد الشاعر عام 1926 م في احدى قرى محافظة البصرة وماتت امه وهو مازال صغيرا , وبعد ان انهى مرحلتي الدراسة الابتدائية والثانوية في ابي الخصيب والبصرة التحق بقسم اللغة العربية ثم انتقل الى قسم اللغة الانكليزية في دار المعلمين العالية (كلية التربية حاليا ) وبعد تخرجه عين مدرسا في ثانوية الرمادي لم يبق في الوظيفة طويلا فقد فصل بتهمة مناوأة الحكم القائم انذاك ,, وسجن وعذب وشرد وعمل كاتبا في شركة النفط وموظفا في مديرية التجارة وصحفيا .
وقد أصيب بمرض لا شفاء منه تركه كسيحا فترة وقد طلب الشفاء دون جدوى في مستشفيات لندن وبيروت وباريس , وافاه الاجل في 24 كانون الاول عام 1964 م.
وقد اجاد السياب شاعرا لرهافة حسه وصدق تصويره لتجارب حياته المضطربة وثقافته التراثية المعاصرة .
وللسياب فضل على الشعر العربي المعاصر , لا في ريادته لحركة الشعر الحر فحسب بل في براعته في هذا الشعر ايضا , فكتب القصائد الطوال – حفار القبور – الاسلحة والاطفال , في اسلوب يقترب من فن القصة بالحوار ورسم شخوص القصيدة .
اما دواوينه الشعرية الطبوعة فهي على التوالي:
أزهار الذابلة 1947
اساطير 1950
أنشــــودة المطــر ( يضم ديوانيه السابقين وقصائد الطوال الثلاث ) 1960
المعبد الغريق 1962
منزل الاقنان 1963
اقبال 1965
قيثارة الريح 1971
البواكير 1974
شناشيل ابنة الجلبي ( وزع في الاسواق يوم وفاته )
ديوان بدر شاكر السياب صدر في بيروت علم 1971 وضم دوواوينه المذكورة .
السياب - النص الأخير قبل القبر
البداية السريعة على امتداد شط العرب إلى الجنوب الشرقي من البصرة، وعلى مسافة تقطعها السيارة في خمس و أربعين دقيقة تقع أبو الخصيب التي تمثل مركز قضاء تابع للواء البصرة يضم عددا من القرى من بينها قرية لا يتجاوز عدد سكانها ألفا ومائتي نسمة
تقع على ما يسمى نهر أبو فلوس من شط العرب تدعى جيكور تسير إليها في طريق ملتوية تمتد بالماشي مدى ثلاثة أرباع الساعة من أبي الخصيب وهي الزاوية الشمالية من مثلث يضم أيضا قريتين أخريين هما بكيع وكوت بازل، قرى ذات بيوت من اللبن و الطين، لا تتميز بشيء لافت للنظر عن سائر قرى العراق الجنوبي
فهي عامرة بأشجار النخيل التي تظلل المسارح المنبسطة ويحلو لأسراب الغربان أن تردد نعيبها فيها، و عند أطراف هذه القرى مسارح أخرى منكشفة تسمى البيادر، تصلح للعب الصبيان ولهوهم في الربيع والخريف، وتغدو مجالا للنوارج في فصل الصيف، فكل شخص يعمل في الزراعة ويشارك في الحصاد و الدراس، ويستعين على حياته بتربية الدجاج والأبقار، و يجد في سوق البصرة مجالا للبيع أو المقايضة، ويحصل على السكر و البن و الشاي وبعض الحاجات الضرورية الأخرى لكي ينعم في قريته بفضائل الحضارة المادية، وإذا كان من الطامحين إلى (الوجاهة) فلا بأس أن يفتح ديوانا يستقبل فيه الزائرين من أهل القرية أو من الغرباء ليشاركوه في فضائل تلك الحضارة المادية
السياب - دراسة في حياته وشعره
والبلدة التي ولد الشاعر في إحدى قراها و أكمل دراسته الأولى فيها والتي بقي يتردد إليها طيلة عمره القصير، برز فيها شعراء كثيرون، وان لم يشتهروا كشهرته، لضعف وسائل الأعلام ولخلود أكثرهم إلى السكينة ولعزوفهم عن النشر، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الشعراء محمد محمود من مشاهير المجددين في عالم الشعر و النقد الحديث، ومحمد علي إسماعيل، زميل السياب في العالية وصاحب الشعر الكثير، وأبوه شاعر مشهور أيضا و اسمه ملا علي إسماعيل، ينظم القريض والشعر العامي، و الشاعر خليل إسماعيل توفي في 1961 الذي ينظم المسرحيات الشعرية ويخرجها بنفسه ويصور ديكورها بريشته
و الشاعر مصطفي كامل الياسين الدكتور و الموظف الكبير في الخارجية وعبد الستار عبد الرزاق الجمعة، وعبد الباقي لفته و عبداللطيف الدليسي وعبدالحافظ الخصيبي ومؤيد العبدالواحد الشاعر الوجدان بالرقيق ومن رواة شعر السياب، والشاعر الأستاذ سعدي يوسف هو من أبناء أبي الخصيب، ظهرت له عدة دواوين شعرية، ونال شهرة واسعة بين شعراء البلاد العربية، اشتهر كالسياب بشعره الحر
ونذكر الشاعر الشعبي عبدالدايم السياب، من أقارب الشاعر ولشعره شهرة في المنطقة الجنوبية، والشاعر الشعبي كذلك عدنان دكسن وهو معلم
ولد السياب في منطقة (بكيع) بكاف فارسية وجيكور محلة صغيرة فيها وهي كلمة فارسية تعني (بيت العميان) وتبعد عن أبي الخصيب بما يقارب الكيلوين و تقع القرية على شط العرب، وأمامها جزيرة جميلة اسمها (الطويلة) كثيرا ما كان السياب يقضي الساعات الطوال فيها
و نهر (بويب) الذي تغنى به الشاعر كثيرا، يسيل في أملاك عائلة السياب وهو يتفرع من النهر الكبير إنها قرية صغيرة اسمها مأخوذ من العبارة الفارسية (جوي كور) أي الجدول الأعمى
و آل السياب يملكون أراضي مزروعة بالنخيل، وهم مسلمون سنيون عرفتهم جيكور لأجيال عدة. و على الرغم من أنهم لم يكونوا من كبار الملاكين في جنوب العراق، فانهم كانوا يحيون حياة لائقة محترمة حسب المعايير المحلية
إن أعضاء الأسرة من الذكور لا يزيدون على ثلاثين في الوقت الحاضر مصطفى السياب ، في رسالة إلى المؤلف، بيروت 32 نيسان 1966 لكن الأسرة كان أكبر مما هي اليوم في أوائل القرن التاسع عشر إذ كانت تصم عائلة المير
لكن كثيرين من أعضائها ماتوا في الطاعون الذي انتشر في العراق سنة 1831 وكان سياب بن محمد بن بدران المير أحد أعضائها، وكان قد فقد جميع أهله الأقربين
وكلمة سياب بتشديدها بضم السين أو فتحها : اسم يطلق على البلح أو البسر الأخضر. لكن قصة تروى في العائلة تزعم أنه دعي بهذا الاسم لأنه فقد جميع أقربائه وسيب وحيدا. وهي تلفظ سياب في اللهجة المحلية بتسكين السين
وفي عام تزوج شاكر بن عبدالجبار ابنة عمه كريمة،وكانت أمية في السابعة عشرة من عمرها. و أسكنها معه في دار والده على ما تقضي به العادات المرعية. وفي 1926 ولدت له ابنا دعاه (بدرا). وقد طار به فرحا وسجل تاريخ ميلاده حتى يتذكره، لكنه ما لبث أن فقده وبقي تاريخ ميلاد بدر مجهول
ولم تكن إدارة البلاد في ذلك الوقت متفرغة لتنظيم تسجيل المواليد، ولا سيما في النواحي النائية. وفي 1928 ولدت له ابنا ثانيا دعاه عبدالله، وفي 1930 ولدت له ابنا ثالثا دعاه مصطفى وكان فخورا بأبنائه الثلاثة، واثقا من أنهم سيكبرون ويساعدونه في عمله لكن أحدا منهم ما ساعده كما كان ينتظر ويأمل
أما في البيت فقد كان بدر يلعب مع أصدقائه فيشاركه أخواه الأصغران. وكان الأماكن المحببة للعبهم بيت واسع قديم مهجور يدعى (كوت المراجيح) باللهجة المحلية
وكان هذا البيت في العهد العثماني يؤوي عبيد الأسرة (مصطفى السياب، من مقابلة مع المؤلف، بيروت 41 حزيران 1966) و من هنا أسمه، إذا معنى (المراجيح) المراقيق أي الرقي أو العبيد
وقد دعاه بدر في شعره فيما بعد (منزل الأقنان) كانوا يلعبون في فنائه بالقفز على مربعات ودوائر تخطط على الأرض وما شابه ذلك من العاب القفز، واكن يلذ لهم كذلك أن يرووا عنه قصص الأشباح. وقد جعله بدر مقرا لجريدة خطية كان يصدرها مدة باسم (جيكور) تتناقلها أيدي صبيان القرية، ثم تعود في ختام المطاف لتجد محلها على الحائط في غرفة الإدارة
وتشمل ذكرياته أقاصيص جده - على نحو مبهم- وقصص العجائز من عمة وجدة وغيرهما، و من أقاصيصهما حكاية عبد الماء الذي اختطف زينب الفتاة القروية الجميلة، وهي تملأ جرتها من النهر، ومضى بها إلى أعماق البحر و تزوجها، و أنجبت له عددا من الأطفال، ثم رجته ذات يوم أن تزور أهلها، فأذن لها بذلك، بعد أن احتفظ بأبنائه ليضمن عودتها، و لكنها لم تعد, فأخذ يخرج من الماء ويناديها ويستثر عاطفتها نحو الأطفال، و لكنها أصرت على البقاء، و أخيرا أطلق أهلها النار على الوحش فقتلوه، أما الأطفال فتختلف روايات العجائز حول مصيرهم
كذلك تشمل ذكرياته لعبه على شاطئ بويب، وهو لا يفتأ يذكر بيتا في بقيع يختلف عن سائر البيوت، في أبهائه الرحبة، وحدائقه الغناء، ولكن اشد ما يجذب نظره في ذلك المنزل الإقطاعي تلك الشناشيل، وهي شرفة مغلقة مزينة بالخشب المزخرف و الزجاج الملون
غير أن الشاعر حين يتحدث من بعد عن بيت العائلة في جيكور فإنما يعني البيت الذي ولد فيه وعاش فيه سنوات طويلة في ظل أمه، وقضى فترات متقطعة من صباه وشبابه الباكر في جنباته، وهكذا ينبسط اسم (جيكور) على القريتين إذا ليست بقيع في واقع الحال الا حلة من جيكور
ولابد لنا من أن نشير إلى أن بعض الصحفيين زاروا هذا البيت في عام 1965 وكان مما قالوه في وصفه : البيت قديم جدا وعال، وقد تحللت جذور البيت حتى أصبحت كأسفل القبر، والبيت ذو باب كبير كباب حصن كتب عليه بالطباشير اسم ؛ عبدالمجيد السياب
وهو الذي يسكن الآن في الغرفة الوحيدة الباقية كان البيت قبل عشر سنين يموج بالحركة والحياة، أما سبب هجر عائلة السياب لهذا البيت أو بالأحرى لجيكور فهو بسبب ذهاب الشباب إلى المدن بعد توظيفه" جريدة الثورة العربية، بغداد عدد 184 - 12 شباط 1965
دخل السياب في أول مراحله الدراسية مدرسة باب سليمان الابتدائية في أبي الخصيب، ثم انتقل إلى المحمودية الابتدائية التي أسسها المرحوم محمود باشا العبدالواحد في سنة 1910 في العهد العثماني، وبقيت تحمل اسمه حتى الآن
و تخرج من هذه المدرسة في تاريخ 1-10-1938
وهذا الجزء الاول لأنشودة المطر
عيناك غابتا نخيل ٍ ساعة السحر،
أو شُرفتان راح ينأى عنهما القمر.
عيناك حين تبسمان تورق الكروم
وترقص الأضواء … كالأقمار في نهر
يرجّه المجداف وهناً ساعة السَّحر
كأنما تنبض في غوريهما، النُّجوم …
وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيف
كالبحر سرح اليدين فوقه المساء،
دفٍء الشتاء فيه وارتعاشات الخريف،
والموت، والميلاد، والظلام، والضياء'
فتستفيق ملء روحي، رعشة البكاء
ونشوةٌ وحشيةٌ تعانق السماء
كنشوة الطفل إذا خاف من القمر !
كان أقواس السحاب تشرب الغيوم
وقطرةً فقطرةً تذوب في المطر …
وكركر الأطفال في عرائش الكروم،
ودغدغت صمت العصافير على الشجر
أنشودة المطر …
مطر …
مطر …
مطر …