قال الله تعالى ( ولا تُصَعِرْ خدكَ للناس ولا تمشِ في الأرض مرحاً إنَّ الله لا يحبُ كلَّ مختالٍ فخور) لقمان (18) .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لا يدخل الجنةََ منْ كانَ في قلبِه مثقال ذرةٍ منْ كِبر )
أيتُها الطبولُ الجوفاء ؟!!
يا منْ تتكبرونَ على عباد الله , وأنتم سامدون ؟!!
يا من تشمخون بأنوفكم وأنتم صاغرون ؟!!
هلاّ علمتم ممَّ خلقتم ؟
ولو أدركتم لتواضعتم وشكرتم , ولكنكم قومٌ تجهلون .. وفي غيكم تعمهون, وعن التبصرة مُعرضون. فتباً لكم و لما تفعلون ..
أتدري منْ أنتَ ؟ يا منْ تكثرون من قول أنا .. وأنا.. وتنسى أنك خُلقتَ من ماء مَهين ..
كان أولكَ نطفة مذرة ..
وأوسطك حمّالة العذرة ..
ونهايتك جيفة قذرة ..
يواريك أهلك الترابَ كي لا يتأذى من رائحتك أحدٌ .
يا منْ تخاطب الناس من أعلى الجبل ترى الناس صغاراً ويرونك أصغر مما أنت عليه .
أيها الراقدون في غيهم , المتعالون بعزهم وجاههم , المتفاخرون بقوتهم, المغرورون بجمالهم... لا تحتقروا مَنْ دونكم وإنْ كانوا ينامون في الخيام والقباب, ويلتحفون السماء ويفترشون الترابَ .أصغوا إلى آياتِ مدحهم, والاعتراف بجميل صنعهم . ولا يذهب العرف بين الله والناس, تذكرهم الحقول والمروج , وتصافح أيديهم الأزهار والثمار, وتطربُ لمعاولهم السواقي والغدران , وتشدو بأناشيدهم البلابل فوق أعالي الأشجار .... أتدرون لماذا كل هذا ؟ !! يا سادة يا كرام ... لأنهم أصحاب الأيدي التي رصَّعتْ التاجَ للملك , وصنعتْ السيفَ للقائد وبنت الجسورَ والقصورَ للأمراء والوزراء, وصاغت الحليّ للأميراتِ الحسناوات , وزرعت الأشجارَ الوارفات الظلال للجلوس بفيئهن للهاربين من قيظ الحر في وسط النهار... أيها المتكبرون...
ربَّ يدٍ منْ هذه لو..أتيح لها لهزت العروش وزعزعت التيجان .أ ويد شاعرٍ يثير الأشواق والأشجان , ويبعث في القلوب السرور والأحزان ..
كم من لؤلؤة لم تعثرْ يد الغواص عليها. فظلتْ دفينة بين أصدافها؟.. وكم من زهرةٍ فواحة لم تكدْ تتفتح حتى هبَّت عليها رياحُ الصحراء المحرقة فأذبلتها وذرتها ؟ ,وكم من غادة حسناءَ في كوخها عانت من زمهرير الشتاء وقيظ الصيف اللذين أضويا جسمها و طمرا بهاءها ؟...
أما كفاكم غروراً واستعلاء أيها المتغطرسون؟؟.. أما علمتم ما مِنْ أحدٍ تجبّرَ أو تكبرَ إلاّ لذلةٍ وجدَها في نفسه . والكبرُ متى استبدَ بالإنسان , وأحاطَ به نفسه بهالةٍ من الزهو والخيلاءِ , وجنون الأنانية وحبِّ الظهور. فلا يسعده إلاّ الثناء الكاذب والرياء الهابط. وهذا يكون سبباً لهلاكه وبغضِ الناسِ له .وطرده من رحمة الله كما طُردَ إبليس يوم عصى ربه وأبى أن يسجد لآدم عليه السلام . فقال: (أنا خيرٌ منه خلقتني من نارٍ وخلقتَهُ من طين ). والطينُ فيه صفة التواضع. والنار صفتها العلو والتطاول ... والكبر أعاذنا الله منه هوــ( بَطرُ الحق) وعدم قبوله من الأجير والفقير والصغير ولو كان على لسانهم الحق ... كم من العاملين أصحاب حقوق لا أحد يأبه بهم ولا ينصت لشكواهم ؟ وكم من المظلومين الفقراء ؟ لا يجدون من ينصفهم ويرد لهم ظلامتهم . أماــ (غمط ُالناس) ــ. أي احتقارهم والنظر إليهم بعين النقص ..و هو أصل لكل خلق ذميم . به عُذبت أمَمٌّ وأبيدت أمم . مثل قوم نوح عليه السلام أغرقوا بالطوفان . وإنهم تكبروا على نبيهم نوح عليه السلام . قال الله فيهم : (واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ) . وأيضا قوم عاد غرتهم قوتهم . ( فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق , وقالوا من أشدُّ منا قوة ) .. أما إبليس هو أول منْ تكبر وعصى ربه لذا طُرِدَ ولعِنَ وَجُعلت النارُ له ولمنْ تبعه وسلكَ طريقه . ومنْ يتكبر على الله و يدعي الربوبية لنفسه كما ادعى فرعون . ولقد وصل بفرعون الغرور والاستخفاف بالناس . حتى قال لقومه : ( أنا ربكم الأعلى ).( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ), وأغرقه وجنوده في البحر, وجعله لمن خلفه آية . ليتعظ كل متكبر متجبر... وللكبر دواعٍ وأسباب من أهمها الترف بالغنى , والعلم , والنسب , والمنصب الرفيع .
أما المترفون فإنهم يحتقرون الفقراء ويذلونهم ويتطاولون عليهم في كل شيء ويتدخلون حتى في خصوصياتهم . وكذلك أهل العلم الديني والدنيوي . فهو مدعاة للتفاخر والتعاظم ... والنسب ... كم من بيوت هُدِّمت ونساء طلقت ودماء أهرقت بسببه ؟؟ ... والمناصب وما أدراك ما أصحاب المناصب . ترى الناس يقفون على أبوابهم صاغرين يلتمسون ودهم ,وتعظيمهم, والسعي لمرضاتهم , ويبذلون كل مافي حيلتهم من مال للوسطاء كي يصلوا إلى حقهم أو جزء منه ، وفي الحديث القدسي . قال الله تعالى الكبرياءُ ردائي والعظمةُ إزاري فمنْ نازعني فيهما قصمتُه ولا أبالي ) أو كما قال جلَّ في علاه . (يا أيها الإنسانُ ما غرَّكَ بربكَ الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك)عليك بالطاعة والإنابة والتواضع ... التواضع الذي أمرنا الله به ( أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين)... والآية الآن أصبحت معكوسة في كثير من البلاد ... وعلى ملأ من العباد ...
ولله درَّ القائل :
أسدٌ عليَّ وفي الحروبِ نعامةٌ فتخاءَ تنفرُ من صَفيرِ الصّافرِ
نعم أصبح أبناء البلد الواحد أشداء فيما بينهم , ضعفاء أذلاء أمام أعدائهم .
الأمة الإسلامية العزيزة أصبحت اليوم ذليلة أمام أعدائها . لأن المسلمين تكبروا على أبناء جلدتهم وشعوبهم .
فهانوا وصغروا في عين عدوهم ....
حيث قال الله تعالى:
( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين ) القصص (83).
يوسف الحسن