يقول نزار: بلقيس هي كنز عظيم عثرت عليه مصادفه، حيث كنت اقدم امسية شعرية في بغداد عام 1962م ويضيف، قصتنا ككل قصص الحب في المدن العربية جوبهت ب(لا) كبيرة جداَ.. كان الاعتراض الأقوى على تاريخي الشعري، وكانت مجموعاتي الغزلية وثائق أشهرها أهل بلقيس ضدي
والقبائل العربية كما نعرف لاتزوج بناتها من اي شاعر تغزل بإحدى نساء القبيلة، ولما يئست من إقناع شيخ القبيلة بعدالة قضيتي.. ركبت الطائرة وسافرت إلى أسبانيا لأعمل دبلوماسياَ فيها لمدة ثلاث سنوات، وخلال هذه السنوات الطويلة كنت أكتب لبلقيس، وكانت تكتب لي.. رغم أن بريد القبيلة كان مراقباَ... وظل وضع نزار على هذا الحال حتى جاء عام 1969م، فيقول نزار ((في هذا العام ذهبت إلى بغداد بدعوة رسمية للاشتراك في مهرجان المربد.. وهناك القيت قصيدة من أجمل قصائدي كانت (بلقيس الراوي) بطلتها الرئيسية :
مرحباَ ياعراق، جئت اغنيك
وبعض من الغناء بكاء
أكل الحزن من حشاشة قلبي
والبقايا تقاسمتها النساء
بعد هذه القصيدة التي هزت بغداد في تلك الفترة، تعاطفت الدولة والشعب العراقي مع قضية نزار وذهب إلى بيت الراوي في (حي الاعظمية) لطلب يد بلقيس، وزير الشباب الشاعر الأستاذ شفيق الكمالي ووكيل وزارة الخارجية آنذاك الشاعر الأستاذ شاذل طاقة. وهكذا ذهب نزار إلى بغداد عام 1969م ليلقي قصيدة شعر.. عاد وهو يحمل نخلة عراقية ومع بلقيس شعر نزار أنه يعيش في حضن أمه، فقد ادركت بلقيس أن نزار مثل كثير من الرجال يحتاج إلى إمراة تكون في المقام الاول (أما) ثم بعد ذلك زوجة فظلت تعامله كطفل وتعوضه عن بعده عن امه
فقد كان كثير التنقل ولذا نجد نزار يكتب لها قصيدة بمناسبة مرور عشر سنوات على زواجهما يقول فيها :
أشهد أن لا امراة
اتقنت اللعبة إلا انت
واحتملت حماقتي
عشرة اعوام كما احتملت
وقلمت أظافري..
ورتبت دفاتري
وادخلتني روضة الاطفال
إلا انت
.. .. .. ..
أشهد ان لا امراة
تعاملت معي كطفل عمره شهران
إلا انت
وقدمت لي لبن العصفور
والأزهار والألعاب
إلاانت
.. .. .. ..
أشهد ان لا امراة
قد جعلت طفولتي
تمتد خمسين عاماَ.. إلا انت
كان عمر نزار قباني عند كتابة هذه القصيدة (ست وخمسون عاما) وقد ظل نزار يعيش كطفل له (أمان) فائزة وبلقيس، حتى كانت اول أكبر صدمة في حياته حين توفت والدته عام 1976م، وقد اهتز وجدان الشاعر، فقد وصل ارتباطه بها إلى أقصى درجاته، فهي التي كتب لها قصيدة ((خمس رسائل إلى امي)) عندما كان يسافر بسب عمله في الحقل الدبلوماسي، وكان يصف حاله بدونها :
.... لم أعثر
على امرأة تمشط شعري الأشقر
وتحمل في حقيبتها إليّ عرائس السكر
وتكسوني إذا أعرى
وتنشلني إذا أعثر
ايا أمي أنا الولد الذي أبحر
ولا زالت بخاطره
تعيش عروسة السكر
فكيف...فكيف... يا أمي
غدوت اباَ... ولم أكبر
تلك الابيات من ديوان الرسم بالكلمات الذي صدر عام 1966م
ولم تمر سوى أعوام قليلة وتحديداَ في 1981/12/15م حتى يصدم نزار صدمته الثانية، وكانت في وفاة زوجته وأمه الثانية بلقيس الراوي، ماتت التي كانت تمثل له الكثير في حادث مأساوي تحت أنقاض السفارة العراقية في بيروت على إثر إنفجار هائل بالقنابل وقع بها ويصف نزار قباني هذه اللحظة قائلا (كنت في مكتبي بشارع الحمراء حين سمعت صوت انفجار زلزلني من الوريد إلى الوريد ولا أدري كيف نطقت ساعتها : ياساتر يارب.. بعدها جاء من ينعي إلي الخبر.. السفارة العراقية نسفوها.. قلت بتلقائية بلقيس راحت.. شظايا الكلمات مازالت داخل جسدي.. أحسست أن بلقيس سوف تحتجب عن الحياة إلى الابد، وتتركني في بيروت ومن حولي بقاياه، كانت بلقيس واحة حياتي وملاذي وهويتي وأقلامي.