صباحاً اختليت بمشراقتي . أشوي جلدي بهدوء تحت أشعة الشمس . أتلذذ برشفات كوب شاي . ملصقاً نصف جسدي لجدار بيتنا الطيني . ويتسجى الأخر على بساط صوف يحمل رائحة ندى ليلة البارحة . أقلّب نظري بفناء الدار الواسع فوق رؤوس الدجاج وتحت أقدام المواشي وخيوط الأدغال المنقوعة بحنة النهر . حالة غير طبيعية انتابت حظيرة الدجاج . تكدسن بشكل ما يشبه الدائرة برؤوس متجاورة هامسة بشيء ما تتبادله بالتفاتات متنافرة حذرة . في حين ولت رؤوس أخرى بعيداً عن دائرة الاجتماع ، قابعة بخوف على المصير ، مترقبة عما تؤول له الأمور.
إحداهن ،وكانت أجمل دجاجاتنا وأفضلهن عند أمي . تقدمت نحوي . قطعت عليّ خلوتي . ربضت على مقربة مني . مرغت جناحيها بالتراب . رفعت منقارها فوق رأسها . قاقت بصوت كسير يتفجر عن أمومة ضائعة مهانة . سمحت لها لتدلي بدلوها وتفصح عما اتخذه جمع الدجاج من قرارات فقالت :-
- يا معشر البشر ، أما كفاكم استصغارا وتنكيلاً بنا ؟ أما شفيتم غلكم بلحومنا ؟ توفرون لنا أسباب النشأة والحياة ثم تأتون على رقابنا بالمدي . هل يروق لك يا آدمي ذبح أولادي تحت أقدام أبيك بمرأى مني ؟ أليس هذا نكاية بأمومة الدجاج ؟
كلام خطير استشاط له صدري غضباً وقدحت عيناي بالشرر . ما هذا الهـراء؟ نفشت ريشها . تحول همسها إلى زعيق غاضب كأنما أصابتها عيني بالعدوى . هتفت :
- لن نبيض بعد اليوم ولن نرقد على بيض .
سمع والدي وقاحة صوتها . خرج يحمل حاجبيه فوق رأسه . . يطوّق سكّينته بأصابع غائضة .
- أمسكوها .... سأقطع رأسها !!
فرت وهي ترفع جناحيها تشكوه للسماء . بينما راح والدي يفشي غضبه برؤوس دجاجات منعتهن الرهبة من الهرب ومنح الباقي عقوبة . تدخلت لتهدئة الأمور . ناشدت فيه وسع باله ورفعة شأنه .وما عليها أن تعتذر رغماً عنها .
غابت الدجاجة عنا ثلاثة أيام . عادت بعدها تحمل كيس بيوض . اتخذت لها مكاناً لا ترشقه العيون . تسلطت عليها وقتئذ كانت تدحي البيوض تحت فرن الريش . سلّمت عليها بحنق .
- ما أنت صانعة ؟
- اجلس . أنت الوحيد في هذا البيت الذي أظنه يفهمني . هذه بيوض ﻹجناس غير دجاجية . لا يستسيغها مذاق أبيك . أنظر ، هذه بيوض ثعابين . وهذه بيوض سلحفاة وبيوض بلابل وقنافذ و...
بعد مدة سترون أولادي يحبون خلفي دونما تحدثكم بطونكم لالتهامها .
- يا لك من دجاجة ملعونة !
مر الوقت . فقست البيوض . خرجت الثعابين والسلاحف والعصافير والقنافذ وال... يمرحون خلفها بحركات غير متجانسة . أخذتهم إلى بعيد . صوب النهر . تقاقي . تعترض الهـواء بجناحيها . تغني لهم :
- قا قا ....قي ..... وهم يرددون بعدها كـلاً حسب لغته. وما أن وصلت النهر . زحفت السلحفاة نحو الماء .وغارت الثعابين في جحورها . وطارت البلابل بين متاهات الشجر ..و....و....وقفت الأم تصيح بألم ولا جدوى :
- إلى أين يا أولاد؟ لم تركتموني وحدي ؟ أنا أمكم . سأبني بيتاً وحدنا . يا ثعابين ؟ يا قنافذ؟ يا.....؟تعالـوا ... تعالــوا.....
عادت الدجاجة تسحل رأسها في الأرض بأسى ، فيما كنت أنا أنقل بنظري الحزين بينها وبين أبي الذي راح يداعب مــديته بغضب
آخر تعديل ابراهيم الغراوي يوم 04-26-2012 في 08:26 PM.