الشاعر الفلسطيني النصراوي جمال قعوار في ال (83) من عمره
حوار صريح مع الشاعر د. جمال قعوار* عن الشعر وتجربته الشعرية
حاوره : نبيــل عــودة
أطفأ الشاعر الفلسطيني النصراوي جمال قعوار في (19-12-2013) الشمعة ال (83 عاما) من عمره المديد ، وجمال قعوار هو من رعيل الشعراء الأوائل الذين برزوا بعد نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، وبسبب ظروف العمل الصعبة وفرض الحكم العسكري الإرهابي على الجماهير العربية، من ضمنها كانت ظاهرة طرد المعلمين من جهاز التعليم بشكل إرهابي وعشوائي، اضطر الكثيرين من الأدباء والمعلمين ومنهم جمال قعوار الى الابتعاد عن معترك الفعل السياسي ، لضمان لقمة الخبز التي كان الحصول عليها صعباً ومليئاً بالقيود العسكرية والعمل الحذر وبصمت واخلاص لخلق جيل مثقف مرتبط بلغته العربية وانتمائه القومي الفلسطيني اولا والعروبي ثانيا.
جمال قعوار تميز بغزارة الانتاج الشعري،وتثقف على قصائده الكثيرين من شعراء الصف الأول اليوم في شعرنا الفلسطيني المحلي. لفت انتباهي لأمرين،أولا: شعره الذي يتميز بالغنائية وسهولة اللفظ وجمالية المعاني، ثانيا: تجاهله الاعلامي والثقافي في فترة الانفتاح التي كسرنا فيها قيود الحكم العسكري وانطلق شعرنا ليشكل رافداً أساسياً وهاماُ في الشعر الفلسطيني خاصة والشعر العربي عامة.
كان جمال ضمن مجموعة من الشعراء جرى تجاهلهم في فترة ساد الانتماء السياسي الحزبي واجهة الثقافة الفلسطينية المحلية، لا اسجل ذلك كانتقاد ، انما كحالة ثقافية شكل فيها الشعراء الشيوعيون ( محمود درويش ، سميح القاسم، توفيق زياد ، سالم جبران وغيرهم من أدباء النثر) طليعة الشعر والنثر الثوري الفلسطيني المحلي ، ولا بد ان اسجل ان الصحافة الشيوعية شكلت طليعة سياسية وطنية وثقافية لا يمكن منافستها، ليس لقوتها الاعلامية فقط، انما لكونها المنبر الذي اعطى مساحة هامة ومنبرا أدبيا لم يتوفر بسائر وسائل الإعلام التي تميزت بكونها تنتمي للسلطة، او تمول من مصادر حزبية صهيونية، جذبت اسماء معينة لم تتمكن من المجاهرة والصدام مع السلطة التي مارست وسائل ارهابية ضد ابناء الأقلية الفلسطينية الباقية في وطنها ، مثل فصل المعلمين وفرض التصاريح على التنقل والسيطرة على سوق العمل والتوظيفات. المثقفون الطلائعيون واجهوا مصاعب جمة، مثلا المربي سميح القاسم ذهب للعمل في فترة ما بمحطة وقود، لاصراره على مواقفه الوطنية شعرا وسياسة، الحزب الشيوعي استوعب الرعيل الطلائعي من الشعراء الوطنيين في صحافته وكانت قصائدهم المهرجانية تلهب الجمهور اكثر من اي خطاب سياسي،وهي مرحلة هامة في شعرنا رغم نقدها فيما بعد بشكل لا يربط بين الواقع والضرورة الثقافية وقتها،وبتجاهل ان الشعر المهرجاني كان جانبا من الابداع الشعري الانساني الذي ميز شعرنا الوطني. أضيف أيضا إن المكانة الحزبية شكلت رافعة ثقافية للكثيرين. من هنا بدات تتشكل الظاهرة السياسية في ثقافتنا، ببروز اسماء وغياب اسماء قهرا نتيجة واقع لم نختاره ولم يختاروه بل فرض علينا بعد نكسة شعبنا ولم يكن كل ما يجري محصورا بالجانبالثقافي فقط.
هذه الأفكار أشغلتني في مراجعاتي لواقعنا الثقافي ، ليس اقلالا من قيمة أي ابداع شعري ، او من مكانة اي شاعر من اي موقع ، انما لإعتقادي ان الوقت قد حان لإعادة صياغة متزنة لمسيرة ثقافتنا لا تهمل أحدا، هذا ليس اقلالا من شان البارزين في ثقافتنا، انما اثراء لمسيرتنا بكل روافدها وتجاربها الابداعية.لا شك لدي ان جمال قعوار هو احدا أبرز الأسماء الأدبية في ثقافتنا.
أجريت هذا الحوار معه في حزيران 2001 واعيد نشره بمناسبة عيد ميلاده ال (83)
1- الشاعر جمال قعوار أحدث في شعرنا المحلي اتجاهاً خاصاً ومميزاً غير أنه لم يحظ بالأضواء بما يتلاءم مع قيمة نصوصه الشعرية. كيف تفسر الموضوع؟
جمال قعوار: مع أن تفسير الموضوع يتعلق بالأضواء نفسها وليس بالشاعر إلا إنني أحب أن ابدي بعض الملاحظات، فالشعر في بلادنا مرتبط بالحياة ارتباطاً وثيقاً كما انه مرتبط بالسياسة، فان الأحزاب التي بيدها تسليط الضوء لا تعني بتسليطه على من لا يساعد في إكسابها بعض الأصوات، أذكر أنني مررت بعدة تجارب احدها أن المرحوم إميل حبيبي (من قادة الحزب الشيوعي، اديب مرموق) قال مرة في إحدى محاضراته لدى طلاب جامعة حيفا: الشعراء لدينا هم أربعة لم يذكر غيرهم، وعندما سأله أحد الطلاب ألا يوجد غيرهم؟ قال بالنسبة لنا لا يوجد سوى هؤلاء الأربعة.
وهكذا كان في مقالات المرحوم الدكتور أميل توما (مؤرخ وناقد ومفكر شيوعي بارز)، فالشعراء الذين لا يدورون في فلك حزبه غير موجودين، وليس هذا فقط، كان بعض أصحاب تسليط الضوء لا يدعون فرصة دون أن يحاولوا تجريح غيرهم. الأمر الذي هو مستمر حتى الآن فإن بعض محرري الصحف المحليين لدينا يتخذون من صحيفتهم وما ينشر فيها وسيلة لتسليط الضوء على رئيس تحريرها والتعتيم أو عدم الإفساح للآراء الحرة أن تنشر في تلك الصحيفة. أنني لا أحب أن أذكر كل ما يجري من صراعات أدبية في بلادنا وتطبيق الأدباء للقول العامي القائل:"شحاد ما بحب شحاد" إلا أنني أود أن يساند الأدباء بعضهم للسير بالأدب ورفع مستواه الإبداعي ليعبر عن تطلعاتنا في الحياة الحرة الكريمة.
2-في السنوات الأخيرة ظهر في شعرنا عشرات الأسماء الشعرية وعدد من المجموعات الشعرية من الصعب إحصاؤها، ومع ذلك فإنه من الصعب الإشارة إلى نسبة صغيرة من الشعر الجيد، فهل هناك انقطاع في التواصل الشعري بين الأجيال؟
جمال قعوار: قديماً قالوا: كثر الشعراء وقل الشعر، وهذا لا يتعلق بما يجري في بلادنا الان إلا أن ظاهرة زوال القيود الشعرية واللغوية عند مروجي فضل التجديد وإمكانية الطباعة المتيسرة لكثير من الناس، ودعم دائرة الثقافة العربية في وزارة الثقافة والعلوم لكتب دون النظر إلى مستواها الإبداعي ساهم كثيراً في انتشار هذه الظاهرة التي تسأل عنها. ولكنني أقول أنها ليست ظاهرة مرفوضة فكثير من هؤلاء الشعراء الجدد واعدون وربما أصبحوا شعراء عظاماً وأما غير الواعدين فينتهي أمرهم سريعاً.
أما عن التواصل الشعري بين الأجيال فإن بعض شعراء الجيل الجديد متواصلون، ومازالوا يحترمون شعراء الجيل السابق وشعرهم ويستمتعون بهذا الشعر ويتمنون أن يصلوا إلى مستواه ولكن معظم الشعراء الشباب انصرفوا إلى ما اعتبروه تجديداً ورفضوا قيود الشعر من الوزن والقافية والنحو وغير ذلك واستسهلوا الكتابة بغير قيود، وذهبوا إلى أبعد من ذلك فقد اعتبروا الشعر العمودي من مخلفات العصور السابقة، وأنه لا يتناسب مع العصر الحديث، وأنا أعتقد أن هذا الإدعاء غير منصف لأن ما يسمونه "بالتجديد" في هذا الشعر لا يستمر طويلاً وبعد فترة يصبح قديماً فأي تجديد سيجرونه على هذا التجديد؟ ثم لماذا يصرون على تسميتة شعراً ما داموا يرفضون أصول الشعر التي نعرفها؟
2- ربما هناك هبوط في دور الشعر السياسي كما كان الحال في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي؟
جمال قعوار: في تلك السنوات كان العرب الفلسطينيون في هذه البلاد يناضلون معاً ضد الحكم العسكري، واستملاك الأراضي وضد العدوان الامبريالي على الدول العربية، وكان شعرهم في هذا المجال يستقبل بصدور ظمأى كما تستقبل البراعم قطرات الندى وكان حماس القوم لاستقبال هذا الشعر عظيماً وكان الشعراء على منصة الشعر في المهرجانات الشعرية آنذاك يشدون على أيدي بعضهم وكلهم في تطلع واحد نحو الأهداف الواحدة.
اما اليوم فقد انقسم الشعب الفلسطيني في هذه البلاد حسب الاختلافات الحزبية المحلية، وتكونت حركات محلية مغرضة من أجل كسب بعض الأصوات للوصول إلى عضوية الكنيست لا للنضال من أجل يوم الأرض، وإن كان يوم الأرض هو وسيلة لأهداف أخرى، فكان المهرجان الذي تقيمه هذه الحركة أو تلك تقتصر على مؤيديها وتناهض من الحركات الأخرى، لكنني أرى أن الشعر السياسي إن لم يكن وطنياً، ليس شعراً والشعر ينبغي أن يكون إنسانياً أولاً يعرب عن الحب ويدافع عن الحرية والكرامة ويناصر الحق ويعادي الظالمين.
التتــــــــــــــــار – من قصائد جمال قعوار
مر التتار
مر التتار واحرقوا بغداد
في وضح النهار
وتواطأ ابن العلقمي
يرجو مكافأة الغزاة
فلم يفز
الا بنفس نهاية المستعصم
يا اخر الخلفاء زال القصر
وانهدم الجدار
وانهار هولاكو
وظل النور في بغداد
مرتفع المنار
مر التتار
ثم انهزموا في عين جولوت
جوار الناصرة
ورؤاك يا بغداد ظلت ناضرة
خضراء
يغمرها النضار
وعلى جبين العز من تاريخها
اكليل غار
3- يتميز شعرك بالوضوح والشفافية والرقة وتدفق الصور والمعان دون أن ترهق القارئ في فهم المعنى بينما بعض ما ينشر من شعرنا (وأحياناً ممهور بشهادة أحد الأسماء الشعرية العربية الكبيرة) هو عبارة عن نصوص لا أظنها مفهومة بل وفي شدة الغرابة ولا أستطيع حتى أن أضعها مع الشعر الرمزي الذي عرفناه في نهاية الستينيات. إنها نصوص مبهمة وتفتقر حتى للوزن أو للموسيقى الذاتية. ربما مفهم الشعر يتغير ويتركنا في الخلف؟
جمال قعوار: نحن نعرف أن شخصية الشاعر ونفسيته تنعكسان في شعره فالشاعر الصادق الذي لم يعرف "مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب" كما يقول المتنبي، يكون شعره شفافاً ينمّ عن شخصيته بوضوح دون محاولة لإخفاء أمر أو صبغ أمر آخر بغير لونه الحقيقي، ولكن هناك ظروف تضطر الشاعر لأن يلجأ إلى الرمز كما فعل خليل مطران في قصيدة "نيرون" أو قصيد "مقتل بزر حجهر" في أثناء الطغيان العثماني، وكما فعل معظم شعرائنا في ظل حكومات إسرائيل المختلفة وخصوصاً في أثناء الحكم العسكري، أما هذا الشعر السريالي أو ما هو بعد السريالية أو بعد الحداثة فأمر لا ينتسب إلى طبيعة شعرنا الذي نشأ تحت سماء الشرق الواضحة. ربما كان أصحابه لا يعرفون ما يريدون فيقولون ما لا يفهمونه، أذكر نكتة حدثت مع أحد هؤلاء الشعراء عندما سأله قارئ أن يفسر له قصيدته وقال: أنني لا أفهم ما تقول؟ أجاب الشاعر: وأنا أيضا لا أفهمه. أقول ربما كانت نكتة ولكنها تعبر عن الإبهام في بعض شعرنا، أقول الإبهام وليس الغموض، لأن الغموض مستحب في بعض الأحيان وتستطيع أن تفهمه بمجرد التعمق فيه. مفهوم الشعر لم يتغير ولم يتقدم ويتركنا في الخلف، ولكن هنالك بعض مدارس شعرية جاءت من الغرب يظن متبعوها بأنها أكثر حضارة من أصولنا الشعرية العريقة.
5-- ألا تظن حالة اغتراب، اغتراب فكري ولغوي ونصي وربما اغتراب سياسي واجتماعي أيضاً.؟
جمال قعوار: ذلك هو حالة اغتراب لا شك في ذلك، وإن هذا التحول عن الشعر الأصيل إلى هذه النماذج الجديدة ليس تجديداً كما يدعون، لأن التجديد في نظري ليس هدفاً إلى أن يكون تحولاً إلى الأفضل. لقد كان التجديد الذي جاء به أبو تمام في العصر العباسي يعتمد اختراع المعاني وتوليدها فأعجب به رجال عصره، وأنا لا أرى الإعجاب على وجوه أبناء عصرنا بهذه النماذج من الإنتاج الشعري الجديد.
6-هل لدينا مشروع ثقافي وطني أم أن الثقافة لم تعد جزءاً من مشروعنا الوطني، دورها السياسي تقلص ودورها الثقافي أصبح محصوراً في حلقات ضيقة؟
جمال قعوار: إننا نعيش في أوضاع شاذة قاسية وليس لنا تخطيط واضح طويل الأمد، فأحياناً ينصب اهتمامنا على النشاط السياسي والمحاضرات السياسية التي تهدف إلى توعية الناس سياسياً وربماً حزبياً، وفي غمرة البحث عن أصوات أو مقاعد ينحسر الاهتمام بالثقافة الوطنية، وتنحصر هذه الثقافة في حلقات ضيقة، وأعتقد أن هذه الحلقات الضيقة من شأنها أن تتسع وأن تغتصب الاهتمام من مشاريع أخرى، فالناس اليوم وبتأثير الإعلام الغربي ينصرفون إلى مواكب الرياضة والألعاب الأولمبية ومباريات كرة القدم والمصارعة وغيرها منصرفين بذلك عن الثقافة الوطنية، وبعضهم يلاحق مسابقات ملكات الجمال المحلية والعالمية وبعضهم ينصرف إلى معرفة الفائزين في الأورفزيون أو مهرجان السينما في "كان" كل ذلك وكثر غيره وبتأثير العولمة والإعلام الغربي أصبح شغل الغالبية العظمى من الشعوب بما فيهم شعبنا الذي يجب أن تحمله ظروفه الصعبة إلى نبذ هذه المسابقات الرياضية أو الفنية والانصراف إلى همومنا الوطنية.
وفي اعتقادي وكما أقول دائماً أن الشعر خاصة والأدب عامة سيعرف طريقه إلى قلوب الشعب، فيشحنه بشحنات كهربائية تجعله يعود إلى الثقافة الوطنية التي هي الآن ليست في الأولويات لتحتل مركز الصدارة في اهتمامات الشعوب وخصوصاً شعبنا.
7-ما هو دور الثقافة العربية بشكل عام في عصر التطبيع السياسي العربي الإسرائيلي ولماذا غيبت الثقافة الإستراتيجية العربية؟
جمال قعوار: ما أعرفه وما لمسته أن المثقفين وخصوصاً رجال الأدب يحاربون التطبيع ويمارسون شتى أنواع الضغوط لمحاربته بما فيها طرد الأدباء الذين يتعاملون مع التطبيع من اتحادات أو روابط كتاب في الدول العربية، وحتى في مجال الأدب فعندما كان اتحاد الكتاب الفلسطينيين يعقدون المهرجانات أو المؤتمرات الأدبية أو الثقافية كان الأدباء المدعوون من الأردن أو مصر أو مختلف الدول العربية يقاطعون ولا يشاركون.
أما الجهاز الرسمي الذي يقيم علاقات دبلوماسية في إسرائيل فإن أعضاءه يشاركون فهم ملزمون بذلك.
زينـــــب – من قصائد جمال قعوار
غَذِّ انطلاقَكَ يا جَنَاحُ
واخفقْ ! فقد ضحكَ الصباحُ
واطوِ المدى , فكما تشاءُ
وتشتهي تجري الرياحُ
طِرْ بي إلى القمرِ الذي
في جوِّهِ يحلو الصُّداحُ
لا يَسْعَدِ العشَّاقُ إلاَّ
إنْ هُمُ شَرَحُوا وباحُوا
وتَكَثَّرُوا ذِكْرَ الحبيب
فذكْرُهُ شدوٌ وراحُ
***
يا زينبُ انطلقي !
جدائلُكِ السنابلُ والمَرَاحُ
وتلفَّتِي ! فوميضُ عينيكِ
الحواكيرُ الفساحُ
ورقيقُ همستكِ الغديرُ
وماؤهُ العذبُ القَرَاحُ
وكريمُ خُلْقِكِ بعضُهُ
كَرَمُ العروبةِ والسَّماحُ
فإذا تمادى الليلُ
بددهُ الصباحُ وَالاصْطِبَاحُ
جَدَّ الفجورُ فلم يحاذِرْهُ
التصدّي والكفاحُ
واعتزَّ بالأمجادِ ميدانُ الصمودِ
فلا بَرَاحُ
يا زينبُ انتظري !
إن مدَّ مدُّ الشرِّ أو جَمَحَ الجِمَاحُ
أم ننزوي إن جُنَّتِ الدنيا
فأجهشتِ الملاحُ
وذَرَتْ لآليءَ أدمعٍ
وابتل بالدمعِ الوشاحُ
يا زينبُ انتظري الربيعَ
فقد تعهدت القداحُ
ومضاءُ عزمِكِ إن أرادَ
تَهيَّأ القدرُ المتاحُ
8-جيلنا يواجه مشاكل غير قليلة في اللغة، رؤيتي أنه تنشأ لغة معاصرة جديدة من الممكن تسميتها "الفصحى السهلة" أو "الفصحى الحديثة" أو "لغة الصحافة" وهي كما أرى اللغة الأكثر سرعة في التكيف مع الواقع. جمال قعوار كلغوي كيف يرى الموضوع؟
جمال قعوار: يصح القول أن اللغة كائن حي تتطور مع العصور كما تتطور مختلف الكائنات الحية، ونحن نعرف أن لغة الجاهليين كانت أقرب إلى خشونة الصحراء من لغة الحضر في دمشق أو بغداد التي أصبحت أكثر رقة، فكانوا يفاضلون بين جرير والفرزدق فيصفون شعر الفرزدق بأنه أقرب إلى البادية خصوصاً وأنه أحيا الألفاظ المستهجنة بالنسبة للحضر فقالوا: لولا الفرزدق لضاع ثلث اللغة، بينما يصفون "جرير" بأنه أقرب إلى الحضارة الحديثة.
أما نحن اليوم فقد فقدنا السليقة اللغوية السليمة وأصبح أهلنا يجهلون الكثير من مفردات اللغة وقواعدها وأساليبها، وأصبح التحدث بلغة العصور القديمة مستهجناً، وأنا لا أرى غباراً في ذلك ما دامت أصول اللغة محفوظة وقواعدها سليمة، لأن الخروج عن علم المعاني أو علم النحو يفقدنا الوسيلة الصحيحة للاتصال.
9-حول نفس الموضوع، هل هناك قداسة للغة؟ أو هل يجوز أن تحول اللغة إلى غاية بحد ذاتها؟ أم أن اللغة هي وسيلة للتخاطب وتبادل المعرفة والتطوير وبالتالي لا قدسية لها. ألا تشعر معي أننا نتعامل مع اللغة العربية بصفتها ديناً آخر؟
جمال قعوار: اللغة العربية ليست مقدسة بالطبع ولكن المقدس هو لغة القرآن الكريم التي لا يجوز انتهاك حرمتها وتغيير كلماتها أو حروفها أو حركات إعرابها. ومن حرص العرب على لغة القرآن الكريم اهتموا باللغة بصورة عامة وحافظوا على أساليب استعمالها وقواعدها وأنا أعتقد أنه لا يجوز التلاعب باللغة كيفما شاء الأديب أو الكاتب باعتبار التغيير الذي يحدثه نوعاً من التجديد، إن هذا المنطق الجديد الذي سيحدث تغييراً جذرياً في اللغة مرفوض، لأنه ما دامت اللغة وسيلة الاتصال فيجب أن تبقى مفهومة لدى المتلقي أو المخاطب فإذا غيرت في قواعدها فقد غيرت في المعاني التي يمكن أن يفهمها المخاطب فيصبح الفاعل مفعولاً به أو المفعول به فاعلاً. أما ما عدا ذلك فيجب أن تمر اللغة بمراحل التطور والتجديد بشرط أن لا تفقد كونها وسيلة اتصال يفهم بها المتلقي ما يريده الكاتب أو المتحدث.
10- هل فكرت مرة بالتحرر من عبودية الشعر؟
جمال قعوار: نحن لا نعتقد أن أصول الشعر وقواعده عبودية، فالشاعر المتمكن من فنه ومن لغته كشوقي مثلاً، لا تقف أمامه قواعد اللغة والشعر حائلاً دون الإبداع، وفي اعتقادي أن هذه التجديدات التي طرأت على الشعر الحديث من أسلوب الشعر العراقي أو وحدة التفعيلة إلى الشعر المنثور وهي وسائل تساعد على الانطلاق، وأنا بدوري كتبت كثيراً من القصائد بأسلوب الشعر العراقي أو وحدة التفعيلة أو الشعر المنثور، ولكن معظم ما كتبته من الشعر كان بأسلوب عمود الشعر.
11-ما هو مشروع جمال قعوار للسنوات القادمة؟
أود أن أقول أنني مدمن على الشعر كإدمان بعضهم على المخدرات، لا أستطيع التخلص من ممارسته خصوصاً في هذه الأوضاع والظروف الصعبة، فأنا أكتب القصائد التي تعكس شعوري تجاه هذه الأوضاع وأنتظر المناسبة لجمعها في مجموعات جديدة. إلى جانب أن اهتمامي باللغة وقواعدها واختصاصي في هذا الأمر يلزمني أن أكتب الأبحاث في اللغة والنحو وأنشرها في مجلة المواكب علها تضيف إلى القراء فوائد لغوية أو نحوية جديدة.
*نبذة عن سيرة حياة جمال قعوار: ولد الشاعر جمال قعوار في الناصرة في 19 / 12 / 1930 وتعلم في مدارسها وما زال من سكانها. عمل معلماً للغة العربية في دار المعلمين العرب بحيفا، حصل من جامعة حيفا على شهادته الجامعية الأولى " B.A. " في اللغة العربية وآدابها والتربية ومن الجامعة االعبرية في القدس على شهادة الماجستير " M.A. " في اللغة العربية.ومن جامعة تل أبيب على شهادة الدكتوراة وكانت رسالته للدكتوراة في موضوع إعراب القرآن الكريم وعلاقته بعلمي التفسير والنحو. اصدر وحرر مجلة " المواكب " الثقافية في الناصرة، وتوقفت عن الصدور قبل فترة وجيزة. له ما يزيد عن عشرين ديوانا شعريا، عدا مشاركته في اصدار كتبا تربوية.
من مؤلفاته:
• سلمى - 1956 .
• أغنيات من الجليل - 1958 .
• الريح والشراع - 1973 .
• غبار السفر - 1973 .
• أقمار في دروب الليل - 1979 .
• الريح والجدار - 1979 .
• الجدار - 1981 .
• ليلى المريضة - 1981 .
• بيروت - 1982 .
• أيلول - 1985 .
• زينب – 1989 .
• الترياق – 1990 .
• بريق السواد – 1992 .
• لا تحزني – 1994 .
• لوحات غنائية – 1995 .
• مواسم الذكرى – 1996 .
• شجون الوجيب – 1998 .
• قصائد من مسيرة العشق – 2000 .
• عبير الدماء – 2001 .
• في مواسم الضياع – 2002 .
• إعراب القرآن الكريم - 1987 .
• عبير الياسمين – 1990 (رواية) .
• نحو فهم النحو – 1994 .
nabiloudeh***********