قراءة في رواية كونديرا ... فالس الوداع
خزعل طاهر المفرجي
(البنى النفسية والأجتماعية...والمنحنى الفكري)
قبل الخوض في تحليل هذه الرواية لابد أن نذكر, بعد إن ظهر الأدب والفن على هذه الأرض ووضحت معالمهما فأن ادلجتهما وتجيرهما لصالح الأفكار والمحاور السياسية أصبحت من الأمور البديهية , بحيث كليهما الأدب والفن - المساير والمعارض - أصبحا رديفان لكل حقبة سياسية أو معيارية أيدلوجية..
في رواية" فالس الوداع "منحنى فكري هام وشغل العالم لعقود طويلة ولحد الان وهو الصراع بين الفكر الماركسي الشيوعي الاشتراكي والفكر الرأسمالي اليبرالي الديمقراطي في فترة الحرب الباردة بين المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي سابقا والمعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية.هذه من ناحية, ومن الناحية الثانية انها تطرح افكار ما بعد الحداثة, واختلاف.. وتلاقي.. هذه الافكار مع الفكر الماركسي.. والفكر اليبرالي..والسرديات الكبرى في مختلف الأيدلوجيات.. إن فالس الوداع عمل أدبي وعلينا أن نتوخى الدقة وتحليل نفسية شخصيات الرواية و الانزياحات السايكلوجيه التي تعكسها إرهاصات وتصرفات شخصياتها ..كذلك تحليل البنى الاجتماعية لهذه الشخصيات وأثرهم وتأثيرهم على صيرورة وسيرورة مجريات الأحداث الواردة في الرواية .
بدأ "ميلان كونديرا " روايته بكلمة "حل الخريف " وكلنا يعرف ماذا يعني الخريف ..أنه بداية النهاية..ولكن أي نهاية ؟ هذا ما سنتعرف عليه في تحليلنا لهذه الرواية .وهل تتلائم هذه النهاية مع شخصيات هذه الرواية من الناحيتين النفسية والاجتماعية ..؟ وماذا تقدم هذه الرواية.. للأنسانية بصفتها جنس أدبي أنساني..
حل الخريف ..على ذلك المنتجع الصحي الصغير وهو" النبع" ومعظم نزلائه من النساء العقيمات كذلك يعالج الاعتلالات القلبية , وتمثل فيه النساء تسعة أعشار النزلاء , إن هذه النسبة العالية من النساء تحنق الممرضة "روزينا " وهي شابة ولدت في بلدة " النبع " ..وهي تقوم على رعاية العقيلات المجدبات طوال اليوم , وان والديها لازالا في بلدة "النبع" وتسأل هل بمقدورها الهرب من ذلك العش المزدحم بالنساء ..وأنها على علاقة بعازف البوق "كليما "الذي زار النبع قبل شهرين مع فرقة موسيقية وقد اهتم بها كثيرا وباشرها في الفراش ..لمدة ساعتين ..ومن خلال هذه المباشرة أصبحت حامل ..وقد أخبرت "روزينا "" كليما" بالهاتف إنها حامل .هذا ما اخبرنا عنه الروائي في الصفحات الأولى عن هذه الشخصية . كما أعطانا وصفا للنبع على انه مكان للخلاص .. بطريقة ميتافيزيقية.. وفي اطار الأنطولوجيا....
ان طبيعة المرأة التي تطمح دائما لاستمرار الحياة ..ومن خلال حب الحياة ذاتها , والأنجاب وتلطيف الاجواء .. و "روزينا" ..التصاق سيرتها " بالنبع "وهو مأوى للعقيمات ..أرادت وبغريزة الانثى ..أن تثبت خصوبتها وقدرتها على الأنجاب ..حتى لا تلتصق بها تهمة العقم ألرديفه للنبع ..وهذا هو السبب المنطقي لعلاقتها مع "كليما "..لانها بعد تأكدها من حملها ..تحولت إلى مرحلة "الفضح الذاتي " لذاتها من خلال مطالبتها بأبوة الجنين الذي في رحمها من "كليما ", هذا من ناحية ومن ناحية أخرى انها شخصية" انطوائية" .. اتضحت لنا من خلال سير احد1ث الرواية ..كما إن طبيعة الذات البشرية وخاصة المرأة هي أكثر حنان وعاطفة لعمل الخير في المصحات ولهذا نرى الدوائر الصحية في جميع إنحاء العالم تفضل عمل الممرضة كثيرا على عمل الرجل الممرض , فالعمل الانساني لم يكن حكرا في يوم من الأيام وعلى مر التأريخ على جنس معين , أو إلى جهة معينة إن كانت دينية أو سياسية أو اجتماعية "فالعالم سيغدو مكانا أفضل إذا أراد كل واحد فيه أن يفعل خيرا للكائنات ألانسانية الأخرى الأقل سعادة ""1".كما إن هناك اختلاف آخر في شخصية "روزينا"إذ ذكر المؤلف في صفحه 41ان والدها كان عضوا في الجمعية المدنية لمحاصيل المواطنين ,وكانت الهيئة الطبية للنبع تسخر من هؤلاء المحاربين ذوي الستين أو السبعين عاما بدواعي تجمعهم وجلبتهم الطنانة ,وكانت "روزينا"خجلة من انضواء أبيها تحت لواء هذه الجماعة "كما إن من مهام هذه الجمعية الحفاظ على نظافة البلدة من براز الكلاب , ونظافة البيئة بصورة عامة .
ليس من المنطقي ممرضة لا تعرف مضار براز الكلاب صحيا ! ؟
وكيف مصحة طبية لا تعرف ذلك, وتسخر من جمعية من مهامها الحفاظ على نظافة البلدة وهم من المسنين المتطوعين !؟
وهل يوجد مبرر لخجل "روزينا" من والدها لأنه منضوي لهذه الجمعية ,علما إنها ولدت في مجتمع اشتراكي وتربت وترعرعت في هذا المجتمع ..!؟ وهذه النشاطات مسألة طبيعية في المجتمعات الاشتراكية ...
إن ما طرحه الروائي كونديرا بموضوع خجل" روزينا " من إنظمام والدها لهذه المنظمة يحتاج إلى الدقة .في هذه الفترة الزمنية ,وهي فترة الحرب البارده .. اذ أرجعنا المؤلف الى الماضي.. المرحلة البدائية للشيوعية , وهي مرحلة مجتمعات الصيادين.. والحصادين ..وهنا مشكلة في البعد الزمني..في الرواية , حتى وان لم تكن هناك مشكلة في البعد المكاني , وهذا أمر مشكوك فيه ,لأن المعسكر الاشتراكي وتحديدا في أوربا, في هذه الفترة الزمنية متطور صناعيا.. وجميع وسائل الزراعة.. والحصاد.. بالطرق الميكانيكية.. بل ومن الدول المصدرة للمكننه الزراعية ..ولكن من اجل الدقة,تكون هناك حالات استثنائية.. عندما تكون وفرة في المحصول تساعد بعض المنظمات والاتحادات الشبابية بمساعدة الجمعيات ألفلاحيه في عملية الحصاد.. ونرى ان هذا العمل ..تكافل اجتماعي ..وعمل خلاق.. ورغم هذا أخذنا الموضوع من الناحية الاجتماعية ..والتربوية..فقط..
كيف نفسر المعتقدات الغير عقلانية في بريطانيا وأمريكا عند الشباب المضادة للملونين!؟
إن لم يكن هناك تعزيز ومؤثرات ..سلبية من قبل ذويهم وبعض المؤسسات في المجتمع ؟ إن التحليل العلمي يعترف إن الطفل يعتنق معتقد والديه إن كان هذا المعتقد دينيا أو قوميا أو سياسيا أو أعراف اجتماعية ,وإذا لم يكن الأمر كذلك, ولا يوجد مؤثرات.. سلبية وتعزيز لها , لأصبح العالم بدون تطرف ولا تعصب في جميع المجالات التي ذكرناها سلفا , وهناك عشرات الأدلة الناهضة والبراهين في هذا المجال... ان علم النفس أعطانا تعريف لا يقل أهمية عن التعريف الأول عن الاتجاهات," تنشا وتتكون بعد النضوج العقلي أثناء التعلم المقصود وأكتساب المعرفة والخبرة ..من الأمثلة على الاتجاهات هي مواقف الفرد من المثالية والمادية ,نحو الخير والشر ,نحو الحق والباطل""2"
في هذه الحالة نحن امام جدلية خاضوا غمارها مفكري الحداثة منذ نشؤها الى هذا اليوم, وتطرح امامنا عدة تساؤلات من أهمها ,هل إن الفرد يمتلك حريته بالفطرة ويرسم مستقبله ومصيره ,وأن الافراد هم الذين يؤثرون ويوجهون المجتمع ؟ ام ان المجتمع من خلال القيم والمعايير والمعتقدات هي التي توجه الافراد.؟ وبهذا نرى ان" ماركس ودركهايم" ان البنى في المجتمع انما تتشكل بفعل تفاعل تبادلي , ويرى "ماكس فيبر" ان بوسع الفرد ان يتصرف بحرية ويرسم مستقبله..ان مايثر الانتباه في هذه الجدلية.. المدرسة التفاعلية الرمزية: "والتي ترى ان الانسان ليس صنيعة المجتمع فحسب بل صانعوه في الوقت ذاته.. وذلك من خلال الافعال والتصرفات ..علما ان معظم الباحثين في علم الاجتماع" يتحاشون اعتبار البنية الاجتماعية امرا حتميا جامعا مانعا في تحديد السلوك البشري .بل ان" دركهايم" نفسه لايقطع بالجزم بحتمية الاثار التي تتركها البنية الاجتماعية بما تنطوي عليه من تقاليد وقيم وممرسات على سلوك الافراد والجماعات .3"ولكن مفكري مابعد الحداثة يبتعدون عن الخوض في غمار هذه الجدلية .. وليس لديهم راي مستقر.."وان فوكو يرفض فكرة الفرد ككيان مستقل خلاق .." ولاندري كيف ينظر الروائي كونديرا الى العومل الخلاقة في المجتمعات ,مثل المشاركة الانسانية في مجمل فعاليات التكافل الأجتماعي ..والتعاون..والتبادل..؟
من الملاحظ ان شخصيات رواية فالس الوداع الرئيسية والمحورية معظمهم شخصيات انبساطية ,عدى روزينا شخصية انطوائية ,ومن خلال الشخصية الأنبساطية طرح لنا الروائي كونديرا افاكره بشقيها المناهظة للفكر الماركسي ..وافكار مابعد الحداثة..
ان عازف البوق (كليما) فهذه الشخصية من الشخصيات المحورية في الرواية ,انه فنان متزوج من فنانة سابقا تدعى "كاميلا" وهي عقيمة ,تحب زوجها وغيورة عليه . إن "كليما" شخصية انبساطية وهذه الشخصية يتصف فيها الفنانون أكثر من غيرهم "يلقب "وندت" الشخص الانبساطي بلقب "متقلب"والدليل العلمي يؤيده في هذه النقطة بشكل مؤكد .فالانبساطيون أكثر تكرارا من حيث تغير عالمهم وأماكن سكناهم , وأقل أتصافا بالأخلاص الدائم ,ويغيرون شركائهم الجنسيين على نحو أكثر تواترا ,ويمارسون الطلاق بيسر وسهولة "3" كذلك ان الشخصية الانبساطية من شأنها عدم التحفظ أو اللامبالات والخوض في غمار البهجة والسرور ..مندفع .. مجازف.. وانه يتصف بالانفعال والعدوان وهو على العكس من الشخصية الانطوائية والتي تحبذ الابتعاد عن الأذى.. , ..ومن صفاتهم كذلك السلبية.. والخضوع..ويميل إلى التأمل..هادىء..علاقاته الاجتماعية عميقة.. وبهذا نرى"يتميز الانبساطيون بما يدعى ب" الجوع الاستثاري" أي سيبحث هؤلاء الاستثارة الحسية القوية ويتمتعون بها . في حين يقوم الانطوائيون بتجنب هذه الاستثارة وتقبل المثيرات الضعيفة عليها "4" وهذا يعني إن المثيرات الحسية عند الانبساطي قوية وعند الانطوائي ضعيفة ,فالانبساطي أكثر تحملا للألم والانطوائي أكثر تحمل للحرمان الحسي ... ويكمن الاختلاف في شخصية "كليما" أنه يحب زوجته وباق عليها , والشيء الثاني إنه جبان والشخصية الانبساطية لحد ما تعرف بالأقدام وتحمل الألم وعدم التحفظ .. ان هذا الاختلاف في الشخصية الانبساطية والانطوائية في رواية فالس الوداع يرجع سببه الى أفكار ما بعد الحداثة للروائي كونديرا والتي تتجاهل الحقائق العلمية ان كانت نفسية .. او اجتماعية .. "لان باله مشغول تماما من القلق والخوف ,وهو يرقد جنب كاميلا"/ الرواية ص20/ اخذ الروائي كونديرا بتصاعد أحداث روايته , بعدما قرر "كليما" زيارة النبع ووجود حل لاسقاط الجنين ,ومثلما قدموا له النصائح زملائه في فرقته الموسيقية .وقد تحايل على زوجته في زيارته إلى النبع لأنها غيورة وتعرف مغامراته الجنسية .وقد زار في النبع الرجل الأمريكي الغني "برتلف" احد نزلاء النبع لأنه يعاني من اعتلالات في القلب, كذلك كانت زوجته هي الأخرى نزيلة النبع سابقا , وتعاني من العقم ..وأصبح لديها طفل ..وقد تعرف " كليما" قبل شهرين على(برتلف) في زيارته التي تعرف فيها على (روزينا) وكان هدف (كليما) طلب المساعدة من (برتلف)في إجهاض الجنين . شاهد" كليما" صورة جدارية في غرفة" برتلف" إلى رجل ملتحي مع قرص ازرق باهت خلفه ويمسك فرشات ولوح ألوان ,سأل من رسمها أجابه" برتلف " أنا وان هذه الصورة ليس إلى" لازاروس" الأنجيلي , لكنه القديس"لازاروس" كاهن كان يعيش بالقرن التاسع في معتزل ,انه قديس الراعي كان قديسا غريبا للغاية )كما تطرق برتلف الى الزهد في الكنيسة الاتوذكسية قديما الرواية ص46 .وقد عانى هذا القديس من الأمبراطور"تيوفلوس" العذاب ..
نقول ان افكار مابعد الحداثة ساعدت كثيرا على بروز الاصولية في الاديان..وخاصتا المسيحية في أمريكا ولديهم الكثير من الكنائس المرئية ,أي محطات تلفزه متخصصه..كذلك من خلال دلالة الصورة والحوار .. أعطتنا الرواية مفهوما ان الأنظمة الاشتراكية الشيوعية.. معادية للرب وخانقة للابداع ,كما إن الشعوب التي تسيطر عليها هذه الأنظة جعلت الانسان.. كأنسان ألي يبرمجوه للعمل في الصباحات الباكرة ويحدث الضوضاء وكما أسماها برتلف" الصدمة الصباحية" ...
إن ما يثير الانتباه في هذا الحوار هو موضوع الوقت..من المعروف عن الأوربين والأمريكان هم أكثر الشعوب والأمم تتمسك بالوقت وبمواعيدهم .. وخاصتا مواعيد العمل .ويعتبرونها جزء حيوي من قيمهم ..ان التوقيت الزمني ليس حديثا واول من استخدمت التوقيت هي الاديان في توقيت العبادات ..الصلاة عند المسلمين..وأنشطة نزلاء الأديرة .. عند المسيحين.. يقول ماكس فيبر " ان الكسل وإهدار الوقت يعتبران من الخطايا عظيمة الشأن.." وبعد ذلك تطور التوقيت واخذ يشمل معظم جواب الحياة.."ففي المجتمعات الحديثة, تتحد النطاقات او الأطوار التي ننظم فيها أنشطتنا البشرية بمقياس التوقيت الزمني .فلولا الساعات التوقيت الدقيق للأنشطة وبالتالي تنسيقها عبر المكان لم تكن المجتمعات الصناعية لتنشأ وتنمو وتتطور على الاطلاق..ولاتخلو أية مؤسسة أو جماعة بشرية في عالم اليوم من نظام لقياس النشاط الانساني وتنظيمه بالتوقيت الدقيق ,وكلما ازداد حجم الجماعة واتسعت مواردها وعدد المتسبين إليها ,ازدادت أنظمة التوقيت دقة وشمول.4"كيف يمكن لانسان ان يتصور عالم بدون توقيت للزمن..وأي فوضى تنتظر العالم ..؟
لقد اتضح لنا النبع والبلدة في دولة تعتنق الفكر الاشتراكي.. والذي طبقه "ليلين" من خلال الفكر الماركسي..
لا تعنينا الاشتراكية وجذورها الماركسية إن فشلت في الاتحاد السوفيتي السابق وأوربا الشرقية أو نجحت في دول أخرى ,ما يهمنا من الاشتراكية والفكر الماركسي انه فكر إنساني بغض النظر عن الفشل والنجاح ..لأنه في كلتا حالتيه تجربه أنسانيه ..و التجربه تستفيد منها الانسانيه ..حاضرا ..ومستقبلا .. إن لم يكن هناك فشل..لم يكن هناك نجاح ..فأفكار "ماركس" و"أميل دوركايم" و"ماكس فيبر" واجيال المفكرين الاحقين.. ليس من شأننا في هذه الدراسة النقدية لرواية" فالس الوداع" إصدار الأحكام على التباين.. والأختلاف..والتلاقي.. فيما بينهم .ولكن نأخذ ما احتوته الرواية من هذه الافكار.. كما"إن علم الاجتماع ليس مجرد دراسة المجتمعات الحديثة.. فهو عنصر مهم في "الحياة المستمرة لهذه المجتمعات ..وعامل مؤثر في مسيرة التغير المجتمعي "5"
من خلال الحوارات بين كليما وبرتلف من جهه, وحوارهم مع الدكتور سكريتا الدكتور المعالج في النبع كذلك هو مسؤول النبع, ومن خلال سير أحداث الرواية اتضحت لنا شخصية "برتلف" انه رجل أمريكي متدين ..غنى ..ومبذر للأموال .. وهو شخصية انبساطية ..وكان يعطي المواعض أثناء حديثه مع كليما والدكتور سكرينا حول موضوع إجهاض روزينا لأنه يحمل قيم رجل متدين أمريكي ,ولكن قيم" برتلف" انهارت لان الدكتور سكريتا علاقته ب برتلف علاقة برغماتيه , لأنه يريد من برتلف أن يتبناه ..حتى يكون باستطاعته أن يخرج من بلاده الى أمريكا .. ويمنح الجنسية الامريكية ,والدكتور سكريتا .سبب نجاحه في النبع هو يحقن النساء العقيمات اصطناعيا بصورة سرية من استمناء ذكره .. والكثير من النساء أصبحن أمهات من هذا الرجل ..ومن ضمن النساء" مسز برتلف", وعندما عادت إلى النبع كان في استقبالها زوجها والدكتور سكريتا ,وقد طلب الدكتور أن يرى الطفل وقد شاهد وحمه على شفة الطفل , وهي نفس الوحمة على شفته, وجميع أطفال النبع لديهم هذه الوحمة..طلب الدكتور سكرينا من برتلف ان يتبناه ,وافق برتلف بعد ان إندهش من هذا الطلب,"لكني اليوم تملأني بهجه من نوع خاص وأود لو أسعد العلم بكامله, ولو يجعلك هذا سعيدا...أبني..."الرواية ص229 وبهذا اصبح سكرينا أكبر من أمه بالتبني بخمسة عشر سنه , وقد علم برتلف إن لايوجد شرط قانوني يمنع هذا, واصبح الطفل أخا للدكتور سكرينا.
عندما يصف" زيغيمونن باومان" احد الكتاب الرواد في ما بعد الحداثة "قدرتها التدميرية القائمة على الاستهلاك التام ,التقويض التام ,والتفكيك التام لكل ما هو قائم ,ان ما بعد الحداثة كما يراها"باومان"لا تسعى لاحلال" حقيقة محل اخرى ,او نموذج للحياة محل آخير..انما تعد نفسها لحياة بدون حقائق ومعايير ومثل.." والدلالة على قول "باومان" ما تناولته رواية فالس الوداع من الأمور ألمثيره والكبيرة.. معرفيات أثارت جدلا واسعا دينيا.. واجتماعيا.. ولها تأثيرات سايكلوجيه..سلبيه على الفرد والمجتمع , ولم تقبل دينينا ولا اجتماعيا ,فالتلقيح الاصطناعي عمليه عمل بها الروس قبل غيرهم ..,فعندما كانت الخيول وسائط النقل الرئيسية للجيوش أصبح من الظروري إكثارها ..وكان التلقيح الاصطناعي احد وسائلها ,وبعد انتفاء الحاجة من الخيول للأمور العسكرية ,أوقف عمل التكاثر بالتلقيح الاصطناعي - في خيول السباق والمضمار..وذلك من اجل ندرتها ورتفاع سعرها..
الدكتور سكريتا يحمل ازدواجية في النفس .. وهذه الازدواجية سببها يحمل افكار ما بعد الحداثة .. كما صورته الرواية.. فهو لا يستطيع تطبيق القيم كسلوك في حياته .. يستطيع الانسان ان يغير اتجاهاته بصورة ارادية او عن طريق ظغوط معينه..اما القيم فهي اكثر ثبوت ..لأنه بلأساس لم يحمل قيم .. وسكريتا اعترف لصديقه جاكوب"فقد خلقت بنكا للحيوانات المنوية من مني الخاص الرواية ص "118" وكان رأي سكريتا "تحريرالانجاب من الحب"في حين كان رأي جاكوب "تحرير الحب من الانجاب"ان رأي الأثنين مختلف..ولكنه توحد من خلال مفاهيم وافكار ما بعد الحداثة ..فانهم لايعنيهم أي مفكري ما بعد الحداثة ان كان هذا العمل خطأ أم لاء ..فالذي يعنيهم هل هو قابل للتطبيق ام لاء..؟ فالتوجه العام في الدين المسيحي يعتبر المباشرة الجنسية خارج نطاق الانجاب .. غير مقبولة ومشوه, وتعتبر "زنى" وعلى الانسان ان يسعى الى اللذة الجنسية عن طريق الزواج
كما اعترف لصديقه انه سوف يفاتح برتلف ان يتبناه, كي يهاجر الى أمريكا ويمنح الجنسية الأمريكية , وقد تبناه كما أسلفنا, الدكتور سكريتا من خلال هذا الحوار يحمل حب لوطنه .. قال سكريتا الى جاكوب "ألا تعلم , أقول لنفسي غالبا رغم ان هناك اشياء كثيرة على هذا الكوكب البالي تخصنا ولا نحبها. فنحن أن نهرب من مسئولياتنا .ويجعلني احزن كوني غير قادر على السفر بحرية عبر هذا العالم ,لكنني لا أستطيع مغادرة موطني بشكل دائم وللأبد .ولن أفترى عليه ابدا .أود لو أقدح نفسي أولا. ماذا يفعل الواحد منا ليجعل بلاده افضل؟ ماذا نفعل لنجعلها أكثر احتمالا ؟ نحيلها لبلاد نحس فيها حقا أننا في بيوتنا ...يحس الانسان فقط انه في الوطن بين أناس من نفس نوعيته ؟"الروايةص119"من الواضح ان افكار ما بعد الحداثة توجد البديل في حالات الصراع الاجتماعي.. وان هذا البديل لابد ان يكون محليا حتى وان كان محدودا أومنحازا ولكنه لابد ان يتصف بالفاعلية "فان سياسات ما بعد الحداثة تقدم طريقة لاضفاء طابع السيولة واليقينية على الظروف المحلية ,رغم تأثر هذه الظروف بالتجاهات العالمية , لذا قد يكون شعار ما بعد الحداثة هو" فكر عالميا , وتصرف محليا"-ولاتصدق بأي مخطط شامل او خطة كبرى ."6"
وصل للنبع السيد "جاكوب" لزيارة ابنته بالتبني "أولجا" وليخبرها عن حصوله على أذن بالهجرة ,تبناها بعد إعدام والدها وهي في السابعة من عمرها ,اعدموا والدها رفاقه في الحزب الشيوعي ,لأنه اختلف معهم ,وكان "جاكوب" نزيل معه في السجن ,وهو الآن عمره خمسة وأربعون عاما , عنده شعور ان أولجا تكن له حبا خفيا .دار حوار بينهم وهم على مائدة الطعام حول والدها وسبب إعدامه, حيث كان جاكوب مقتنع إن والدها بريء,أخبرته أولجا انه تصلها رسائل تهديد ,ولا كنها تريد أن تعرف عن والدها"هل كان ضميره يقظا فعلا ؟ كان أبي من نفس النوعية الذين حكموا عليه بالموت؟"الروايه ص73-74. ومن خلال الاسئله يتنين لنا إن" اولجا" عندها شكوك حول والدها بأنه ربما كان متطرف وان هذه ألعاطفة في هذا الاتجاه تصب دائما في المجلات النفسية والقيم والمعتقدات لأن الضمير" بدلالة نظرية سيكولوجيه تقول ببساطه بأن الضمير هو مجموع رجاع القلق الشرطية التي يكونها الفرد"8"
إن السيد "جاكوب" صديق قديم إلى الدكتور" سكريتا" ,وقد أعطاه حبه سامه قاتله كي يستخدمها عندما يريد نهاية لحياته , حتى يكون سيد موته ,ليس من السهل على الانسان أن يقوم في هذا العمل لابد من أسباب تجعله قادرا على تنفيذه ,أما أن يكون شد عصبي عالي التوتر عقابيل أمراض سايكلوجية . أي شعور الانسان بليأس والوصول إلى قمته, وبذلك يصل إلى درجة العدوان العليا, يبدأ التفكير بلأنتحار للانتقام من ذاته والخلاص من عذابه السايكلوجي."وترى الدراسات الاجتماعية اللاحقة إن مثل هذه الظاهره تمثل ترابطا ظاهريا ومضللا في اغلب الأحيان في المجتمعات الحديثة ,وتميل إلى تبني بعض الأسباب الأعمق التي طرحها "دركهايم"انذاك حول الترابط بين معدلات الانتحار ,ومستوى التضامن والتألف السائد في أوساط المجتمعات والجماعات.وتؤكد منهجيات البحث الحديثة ضرورة الابتعاد عن محاولات الربط الميكانيكة الظاهرية بين المتغيرات المجتمعية ."9" ان الانتحار ظاهره انفرادية وقد تزداد نتيجة الفوضى الاخلاقية ,كما نرى هذه الظاهرة تتوسع من خلال من خلال العوامل الجغرافية.. والبايلوجية.. والجتماعية.. عدم التمسك بالدين ..وفقدان القيم .. وتزداد نسبة المنتحرين عند الغير متزوجين.. الى الضعف عند المتزوجين..كذلك تزداد في صفوف البطالة..وفي اوقات الكساد الاقتصادي ..ولكن تنقص النسبة في تعرض الشعوب والأمم لعدوان خارجي ..وذلك نتجة لعوامل وطنية.. او قومية..
إن ما أراده الروائي" كونيرا" في موضوع الحبة السامة القاتلة, لاتوجد سعاده ولاحياة جميلة تبهر الأنسان الى في الغرب ... ولذلك انتفت الحاجة إليها بعد أن حصل جاكوب على الترخيص بالهجرة .
أولجا عندها ضمور في الصدر ولاكنها تتصف بالذكاء كما تقول الرواية ..لان جبهتها واسعة.."فعلا الجزء المسيطر على وجهك هو جبهتك, والتي تجعل اى مرئ يعرف فورا كم ذكائك"الرواية ص72"
لايوجد أي دليل علمي على ان ذكاء الأنسان يعرف من خلال قياسات وجه الانسان مثل وسع الجبهة وحجم الجمجمة , بل يعرف ذكاء الانسان من خلال التحصيل العلمي , والنجاح في الجانب الهني , ويتعزز من المؤثرات العائلية والمجتماعية والمدرسية.. كذلك يعرف الذكاء بتصرف الانسان بضبط الذات في حالات العاطفه والمشاعر ,كذلك في المثابرة.. والاصرار.. "فقد شهدت الاوساط العلمية والاجتماعية والتربوية جولات من المساجلات والمناظرات النظرية والتطبيقية .وترى طائفة من الباحثين ان الجينات الوراثية هي التي تحدد معامل الذكاء في اوساط الجماعات , بينما يرى آخرون ان المؤثرات المجتمعية هي التي تحدد مستوى الذكاء .."10" فقط ملامح الوجه لها علاقة من خلال الدلالة على الانفعالات عند الانسان مذل الخوف.. والحزن.. والفرح... أولجا تشمئز من أبوة جاكوب ,لأنها تحمل له حبا خفيا ..وتريد أن يعاملها كمرأه, وفي أخر المطاف استجاب لغرأتها وباشرها الفراش "ان كل عرض عصابي لم يكن موجودا الا لضرب من التسوية , لهذا السبب,أن يستجيب على نحو من الأنحناء لمتطلبات الأنا التي تتصرف لهجمات نزعتها المكبوتة "10" في ليلة الحفلة الموسيقية كانت طاولت "جاكوب" بلقرب من طاولت" روزينا ", أخرجت" روزينا" من حقيبتها اليدوية علبة حبوب مهدئه ,ونوديا عليها فسقطت العلبة قرب الطفاية وتركتها وخرجت ,فشهد العلبة" جاكوب" فتناولها بيده لأن حبوبها تشبه الحبة المميتة ,فأخرج حبه من العلبة, والحبة المميتة من جيبه ليقارن بينهما ,فسقطتا الحبتين في العلبة وفي هذه الأثناء جاءت" روزينا" فأخذت العلبة في غضب من" جاكوب" لمسكه العلبة ,فحاول استرجاع الحبة المميتة فلم تعطيه مجال" روزينا" ,وفي الصباح سافر ولكن اقنع نفسه ان الحبة غير قاتله لأن "روزينا" مضى عليها زمن تناولت فيه ثلاث حبات ولم يسمع بموتها, وان الدكتور" سكريتا" أعطاه الحبة لسبب نفسي .. لقد أوهم نفسه بذلك, لأن "روزينا" ماتت من الحبة فعلا .. وقبل أن يعبر الحدود اخذ يستمتع بالمناظر الطبيعية الجميلة ونسى موضوع الحبة القاتلة وكذلك نسي الاثم الكبير الذي ارتكبه مع من تبناها "اولجا". وغادر بلاده .. تبعت "كاميلا" زوجها كليما إلى النبع بدافع الغيرة لأنها تعرف مغامرات زوجها الجنسية ,وفي بلدة النبع التقت مع أصدقاء قدماء لها سينمائيون منهم مدير التصوير ومساعده ومصور ,جلست معهم في كازينو ,وقد استمتعت معهم كثيرا ,لولا مجيء" برتلف"مع روزيتا وجلسوا معهم بفضول ودارت مساجلة كلامية مع مدير التصوير وبرتلف كيف يجلس بدون أستئذان ,وقد طلب لهم برتلف شراب من النوعية الفاخرة وطبق من الأجبان الجيدة ,بدلا من شرابهم الرديء.. وافسد على" كاميلا" سعادتها ,عندما جلب صاحب المحل قنينتين من الشراب طلب برتلف من صاحب المحل ان يملىء له كأسه, فسائل "23" أجاب النادل "22" رفع برتلف كأسه وقال : "وبهذا النخب أتمنى لكم أن تجمعوا الماضي إلى الحاضر,شمس 1922 بشمس هذه اللحظة ." راودت كاميلا فكرة ان تبقى هذه اليلة تستمتع مع أصدقائها وترجع الى البيت صباحا دافع" كاميلا" الحقيقي الأنتقام من زوجها وأرضاء لذاتها ..لشعورها بالغيرة ..والدونية.. من النساء اللواتي يمارسن الحب.. مع زوجها, ولاكنها ترددت في أخر الأمر, وعزمت على الذهاب الى زوجها في الحفلة الموسيقية بالنبع.
في هذا المقطع:جلوس برتلف بدون دعوه ورفضهم له في بادئ الأمر, دلالتها ترمز الى ان مجتمع هؤلاء السينمائيون منغلق على نفسه.... ومن ثم قبوله.. بعد أن سخر من ملابس مدير التصوير.. وطلب لهم شراب فاخر وطبق من الاجبان المنوعة الجيدة .
.دلالتها: إن الحياة في أمريكا الرفاهية والشبع حد التخمة ,فأن رفضتموهم سوف تقبلوهم مستقبلا...
الروائي" كونديرا "جعل من شخصيات روايته المحورية لديهم قاسم مشترك واحد وهو الجميع تنشد السعادة ,ولكن بطرق مختلفة , كذلك هذه الطرق المختلفة يجمعها قاسم مشترك واحد وهو نيل السعادة بصوره غير شرعية ...
سكريتا: حصل على التبني من عائلة" برتلف "وهو يكبر أمه بالتبني بخمسة عشر سنه ,كي يهاجر من بلده.. ويحمل الجنسية الامريكية ..ويعتبر هو القاتل الحقيقي" لروزينا"
برتلف: أصبح له ولدان طفل غير شرعي من أطفال النبع.. و"سكريتا..بالتبني..
جاكوب: مارس الحب مع ابنته بالتبني بعد أغرائها له ,كذلك اوهم نفسه بان" روزينا" لم تمت..وهو المسبب لموتها ,وشريكه سكريتا بالقتل..وهاجر من بلاده..كليما: عاد الى زوجته التي يحبها وتحبه ..بعد إن تسبب في أذى" روزينا ",كذلك عاد لمغامرات جديده..
ان رواية فالس الوداع لها أبعاد نفسية.. واجتماعية.. وفكرية ..فقد أراد الروائي كونديرا أن يضع أمام الانسان طريق واحد.. والانسانية لا تشاطره الرأي.. الانسان حر في اختياراته.. ولكن لابد من التغير..وليس كما يعتقد..إن الانسان بطبيعته يتقبل من الحضارة جانبها المادي بسهولة ويسر..ولكن من الصعوبة بمكان أن يتقبل الأفكار والمعتقدات بسهولة ويسر... هذا من ناحية ومن الناحية الأخرى لا توجد ديمومة لنظام معين في العالم. فهل كان يتصوروا مفكري عالم الأقطاع في أوربا أن يئول الأمر إلى الفكر أليبرالي الديمقراطي كما هو ألان في الغرب وأجزاء كبيره من العالم..وكذلك تظهر أفكار أممية ماركسيه كما كان موجودا في ألآتحاد السوفيتي ودول حلف وارشو المنقرض ..؟ كلا لم يتصوروا.... كذلك مفكري اليوم لم يتصوروا كيف تكون هيكلية العالم بعد نصف قرن من الأن.. وما هي المبادئ والأفكار التي تتحكم في هيكلية العالم المستقبلية .. كما نعلم" ان ابرزما يميز المجتمع البشري هو عنصر الصراع . والمجتمعات حافلة بالنزاعات , والتوترات, والاختلافات ,ومن الوهم الاعتقاد بأن الناس يميلون بطبعتهم الى العيش في إطار من الانسجام والوئام والموده التامه, دون مواجهات بين المصالح العميقة المختلفة التي قد تتبلور أخر الأمر على هيئة الصدام المباشر وغير المباشر."13" على اثر تفكك حلف وارشو وانهيار الاتحاد السوفيتي ,اخذت الكثير من الدول بالنهج الراسمالي اليبرالي الديمقراطي. وعتبر بعض المفكرين ان هذا الانهيار في المعسكر الاشتراكي ..نهاية التاريخ ..وقد انتهى الصراع الانساني..ومن ابرز هؤلاء المفكرين المفكر الامريكي فرانسيس" فوكوياما"
ان الانسانية لن تتوقف عند نقطة معينة ..وان تجارب الانسانية.. منذ الدولة الرومانية..ولحد الأن اثبتت ان التغير حتمية تاريخية..اما مبشري ما بعد الحداثة..وهم يعولون على الثروة التقنية في نقل المعلومات ووسائل الاتصال والتلفزه الفضائية ووسائل الاعلام الاخرى فأن تأثيرها على الانسانية نسبي .. ..لْْيس كما صورها لنا كونديرا في فالس الوداع ..وهاهي أوربا تسير بالضد من العولمة..لأنهم يريدون ان يحافضوا على خصوصياتهم ..وهم اقرب الناس اجتماعيا الى امريكا ..
لانقول لمفكري ما بعد الحداثة.. أكثر, من انهم يحرثون في البحر..